السادس يعشق الموسيقى عشقاً لا يعلو عليه سوى حبه لبناته وعرشه. وقد لحن هو نفسه أوبرا، وصاحب فارينيللي عازفاً على البيان القيثاري، وقاد البروفات. وجلب لفيينا خيرة المغنين، والعازفين، والممثلين، ورسامي المناظر المسرحية، دون أن يعبأ بالتكاليف. وفي إحدى المناسبات أنفق -فيما قدرت الليدي ماري- ثلاثين أف جنيه ليخرج أوبرا واحدة (١٥). وبلغ عدد المرتلين والعازفين في فرقة كنيسته ١٣٥. وأصبحت الموسيقى "إمبراطورية"، أو على الأقل أرستقراطية. وفي بعض الأوبرات كان جميع المشاركين-ساء العازفين المفردين، أو الكورس، أو الباليه، أو الأوركسترا-أفراداً من الطبقة الأرستقراطية. وفي إحدى هذه الحفلات كانت تقوم بالغناء في الدور الرئيسي الأرشيدوقة ماريا تريزا (١٦).
وقبل أعظم كتاب نصوص الأوبرا في ذلك العهد الدعوة إلى فيينا. فأقبل أبوستولو زينو من البندقية في ١٧١٨، وعمل شاعراً لبلاط شارل السادس، وفي ١٧٣٠ اعتزل في لطف مخلياً مكانه لبيتروتراباسي، النابولي الذي كان قد تسمى من جديد، "ميتاستاسيو". وفي السنوات العشر التالية كتب ميتاستاسيو-بالإيطالية دائماً-مسرحيات شعرية بلغ من قدرتها على إثارة العواطف أن كبار ملحني أوربا الغربية أسعدهم أن يلحنوها. ولم يضارعه أحد في تكييف الشعر وفق مطالب الأوبرا - أي في ملاءمة موضع نصه، وحركته، ومشاعره، لمقتضيات المغنين المنفردين، والثنائيين، والمقاطع الملحونة، والكوارس، والباليهات، والمناظر المسرحية؛ ولكنه فرض لقاء ذلك على الملحنين التوافق الإيقاعي بين موسيقاهم ومسرحيته. وعظم نجاحه حتى خشي فولتير أن تطرد الأوبرا الدراما من المسرح، وقال "إن هذا الوحش الجميل يخنق مليومين (ربة التراجيديا) "(١٧).
وتربع شارل السادس على عرش كل هذه الموسيقى، والفن، والبلاط المتعدد اللغات، والإمبراطورية، بيد مبسوطة، وقلب رحيم، وحزن رجل الحرب. ذلك أن قواده لم يستطيعوا أن يتبعوا عصا قيادته، وحين طالبهم بأغاني الفرح لم يعطوه غير المآسي. لقد جرت ريح الحرب مع النمسا رخاء ما دام أوجين أمير سافوي محتفظاً بقوة ذهنه وسلطانه، وهو الذي