عقد العزم على ألا يخوض أحد حرباً ضده وهو في مأمن. فلقد كان هذا الرجل الذي بنى أشهر جيش في ذلك القرن "من أعظم الملوك حباً للسلام"(٢٤) وهو القائل "أن مبدئي ألا أؤذي أحداً، على ألا أسمح بأن يستهين بي أحد"(٢٥) ومن ثم راح يجمع الجند، ويطلب أطول من يجد منهم قامة في ولع شديد؛ وكان يكفي للظفر بمودته أن يرسل له إنسان رجلاً طوله ستة أقدام على الأقل وكان الملك يسخو في دافع ثمنهم ويبتهج قلبه لقوامهم الفارع. ولم يكن أكثر جنوناً بالجيوش من زملائه الملوك، إلا فيما يتصل بطول الجندي. فقد كان لفرنسا مثلاً في ١٧١٣ من الجند النظاميين ١٦٠. ٠٠٠، ولروسيا ١٣٠. ٠٠٠، وللنمسا ٩٠. ٠٠٠ (٢٦). ولكي يرفع فردريك وليم عدة جيشه إلى ٨٠. ٠٠٠ في بلد لا يزيد سكانه على ثلاثة ملايين، جند الجند من الخارج وفرض التجنيد الإجباري في أرض الوطن، وقاوم الفلاحون وسكان المدن الإكراه على الخدمة العسكرية، فكانوا يؤخذون بالحيلة أو القوة؛ وحدث مرة أن اقتحم ضابط من فرق التجنيد كنيسة وساق أطول الرجال وأقواهم رغم توسلاتهم (٢٧). (ولنذكر أننا نحن أيضاً نفرض التجنيد الإجباري) وكان الرجال إذا انخرطوا في سلك الجندية يجدون الرعاية الطيبة، ولكنهم أخضعوا لنظام قاس وتدريب شاق؛ وكان الجلد هو العقاب حتى لصغار الذنوب.
وطبق التجنيد الإجباري على النبلاء أيضاً، ففرض على كل نبيل سليم البدن أن يخدم في الجيش ضابطاً ما دام يطيق الخدمة العسكرية. وكان هؤلاء الضباط يدربون تدريباً خاصاً، ويخصهم الملك بالتكريم. فأصبحوا طبقة حاكمة يحتقرون التجار، والمعلمين، ورجال الدين، والطبقات الوسطى عامة، وينظرون إليهم نظرتهم إلى طبقات دنيا مستضعفة، وكثيراً ما كانوا يعاملونهم بوقاحة وتفاخر، أو بوحشية وضراوة. ولكنهم دربوا المشاة والمدفعية والفرسان في تشكيلات دقيقة وحركات طيبة لم يعرفها قط أي جيش حديث آخر في أغلب الظن. وشارك الملك ذاته في هذه المناورات العسكرية، وأشرف على تدريب جنوده في تدقيق وحب؛ فلما ولى فردريك الثاني العرش