بأنه لما كان السيف هو الشيء الوحيد الذي يكسب الأمير الشهرة والشرف، فإنه سيكون محتقراً من جميع الناس إذا لم يحبه ويلتمس فيه فخره الوحيد" (٣١).
ولو أفسح للأب في أجله بما يكفي لتاه فخراً بولده جندياً وقائداً، ولكن كل شئ بدا وكأنه يسير في طريق خطأ خلال سنوات التلمذة تلك. فقد كان الغلام ذكياً، ولكنه لم يهتم قط بالهجاء. احتقر اللغة الألمانية وأحب لغة فرنسا وأدبها موسيقاها وفنها. وأحب أن ينظم الشعر الفرنسي، وواصل هويته تلك إلى آخر عمره. وكان الملك الشيخ يستشيط غيظاً إذا رأى ولده وبيده كتب فرنسية، ويزداد غضبه حين يجده يعزف على الفلوت. وجاء يوهان كوانتش، عازف الفلوت في بلاط سكسونيا، إلى برلين ليعلم الصبي خفية بناء على طلب أمه. وكان كوانتش إذا سمع الملك يدنو يختبئ في خزانة، ويقلب فردريك روبه الفرنسي إلى سترة حربية، ولكن الأب كان يثور لمرأى الكتب الفرنسية ملقاة هنا وهناك، فأمر الخدم أن يرسلوها إلى بائع كتب، فبيعها خير من حرقها. ولكن الخدم لم يفعلوا هذا ولا ذاك، بل خبأوا الكتب، وبعد قليل أعادوها للأمير.
وبذل الشيخ قصارى جهده الذي اختلطت فيه محبة الأب بغضبه ليجعل الصبي مقاتلا. فاصطحبه في رحلات صيده، وخشنه بحياة الخلاء، وعوده الخطر والركوب والوعر، وألزمه العيش على الطعام الزهيد، والنوم القليل، ووكل إليه أمور فوج في جيشه، وعلمه أن يدرب جنده، وأن يرقى بطارية مدفعية، وأن يطلق المدافع. وتعلم فردريك هذا كله، وأبدى قدراً كافياً من الشجاعة، ولكن الأب تبين بغضب متزايد أن الفتى، الذي بلغ الآن السادسة عشرة راح يكون صداقة حميمة مريبة مع ضابطين شابين هما الكابتن فون كاتي والملازم كابت. وكان كاتي واسع الاطلاع كثير الرحلات، ورغم ما تركه الجدري على وجهه من ندوب، فإن "تهذيب عقله وسلوكه" كما قالت فلهلمينا "جعله رفيقاً لطيفاً جداً … وكان يفخر بأنه حر الفكر. وتأثير كاتي هو الذي دمر كل إيمان ديني في صدر أخي" (٣٢).
ولم يستطيع فردريك وليم أن يستجيب لهذه التطورات المنحرفة في ابنه