البناء خالد أم غير خالد، أو من بناه، أو لم بناه. وما أشبهنا بهذه الفئران. والبناء الإلهي الذي بنى الكون لم ينبئ أحداً منا قط يسره المكنون فيما أعلم ..
سأصدع بأمرك وأبعث إليك بتلك الكتابات التي لم تنشر. وستكون أنت يا مولاي جمهور قرائي، وسيكون نقدك مكافأتي، فهذا ثمن لا يقدر على دفعه من الملوك والأمراء إلا الأقلون. وأنا واثق من كتمانك سرها … وإني في حق أراها سعادة غالية أن آتى لأقدم احترامي لسموكم الملكي … لولا أن الصداقة التي تبقيني في هذه الخلوة لا تسمح لي بمغادرتها، ولا شك أنكم توافقون جوليان، ذلك الرجل العظيم المفترى عليه كثيراً، على قوله "ينبغي أن بفضل الأصدقاء دائماً على الملوك".
وثق يا مولاي أنه أياً كان ركن الأرض الذي سأختتم فيه حياتي، فإن تمنياتي ستكون دائماً لك-أي لسعادة شعب بأكمله. وسيعد قلبي نفسه واحداً من رعاياك، وسيكون مجدك دائماً عزيزاً علي. وسأتمنى أن تكون دائماً كما أنت، وأن يكون الملوك الآخرون مثلك-وإنني مع عميق الاحترام خادم سموكم الملكي المتواضع جداً.
فولتير (٤٣)
واتصلت الرسائل بين أعظم ملوك زمانه وأعظم أدبائه طوال اثنين وأربعين عاماً، مع انقطاعات أليمة تخللتها. وتكاد كل كلمة في هذه الرسائل تجزى قراءتها، لأنه لا يتاح لنا كثيراً امتياز الاستماع إلى رجلين كهذين يتحدثان هذا الحديث لحميم المدروس. نحن نصد أنفسنا بصعوبة عن إغراء نقل ما في هذه الرسائل من الأحكام المنيرة، ومن آيات الذكاء؛ ولكن بعض فقراتها تعيننا على تصور هذين العملاقين المتنافسين، رب السيف ورب القلم (١).
(١) الاشارات التالية للترجمة الانجليزية للرسائل التي قام بها رتشرد أولدنجتن بعنوان: The Letters of Voltaire and Frederick The Great (New York ١٩٢٧) رسائل ولتير وفردريك الأكبر (نيويورك؛ ١٩٢٧) والتي نزكيها بقوة.