فهما بادئ ذي بدء يتفقان في إعجاب الواحد منهما بصاحبه. ففردريك يعرب عن دهشته لأن فرنسا لم تتبين "الكنز المخبوء في قلبها"، ولأنها تترك فولتير "يعيش وحيداً في صحاري شامبين … ومنذ الآن ستصبح سيريه (معبدي) دلفي، ورسائلك وحي المقدس"(٤٤). "اترك وطنك الجاحد، وتعال إلى بلد يعبدك فيه أهله"(٤٥). ويرد فولتير باقات الزهر بأجمل منها، فيقول "إنك تفكر كتراجان، وتكتب كبليني، وتستعمل الفرنسية كأحسن كتابنا … ستكون برلين بفضل رعايتك أثينة ألمانيا، بل ربما أوربا"(٤٦). وهما متفقان على الربوبية، يؤكدان الإيمان بالله ويعترفان بأنهما لا يعرفان عنه تعالى قط وهما يمقتان رجال الدين الذين يقيمون سلطانهم على ما يزعمون من قرب الله (٤٧). ولكن فردريك مادي صريح "الشيء المؤكد هو أنني، مادة، وأنني أفكر"(٤٨) وجبري خالص؛ أما فولتير فليس مستعداً بعد للتخلي عن الفكرة حرية الإرادة (٤٩). وينصح فردريك "بالصمت العميق إزاء القصص الخرافية المسيحية، التي قدسها قدمها وغرارة الناس السخفاء والتافهين"(٥٠) ولا يترك فولتير فرصة يلقن فيها تلميذه الأمير حب الإنسانية وكراهية الخرافة، والتعصب، والحرب أما فردريك فلا يأخذ الإنسانية مأخذ الجد الشديد:"إن الطبيعة تنجب بطبيعتها اللصوص، والحساد، والمزورين، والقتلة؛ فهم يغطون وجه البسيطة، ولولا القوانين التي تقمع الرذيلة لاستسلم كل فرد لغرائزه الفطرية ولما فكر إلا في نفسه"(٥١) … والبشر بطبيعتهم ميالون إلى الشر، وهم ليسوا أخياراً إلا بقدر ما تهذب التربية والتجربة من عنفهم وطيشهم (٥٢).
وقد تميزت السنوات الأخيرة في تلمذة فردريك بحدثين. ففي ١٧٣٨ انضم إلى جماعة الماسون (٥٣). وفي ١٧٣٩، وهو في نشوة من تأثير فولتير فيما يبدو، ألف كتيباً سماه "الرد على كتاب الأمير لميكافللي" حاسب فيه الفيلسوف الإيطالي حساباً عسيراً على ما بدا في كتابه من تبرير لأي ذريعة يراها الحاكم ضرورية لصيانة دولته أو دعمها. وقال الأمير الجديد، لا، فالمبدأ الحق الوحيد للحكم هو ولاء الملك وعدله وشرفه. وقد أعرب الفيلسوف الأمير عن احتقاره للملوك الذين يؤثرون "مجد الفاتحين المهلك على المجد