رأيت فولتير الذي كن تواقاً إلى معرفته، ولكني رأيته وحمى الربع تهدني، وعقلي وجسدي متوتر الأعصاب … إن له فصاحة سيشرون، ولطف بيلي، وحكمة أجريبا، فهو باختصار يجمع خير ما يجني من الفضائل والمواهب من ثلاثة من أعظم القدماء. وعقله لايني عن التفكير، وكل قطرة مداد هي رحيق ذكاء يقطر من قلمه … إن لاشاتليه محظوظة بعيشة معها، فإن في وسع إنسان لم يؤت من المواهب غير ذاكرة قوية أن يؤلف كتاباً رائعاً من الأقوال الحكيمة التي ينثرها كيفما اتفق" (٦٨).
فلما رجع فردريك إلى برلين لاحظ أن لديه جيشاً عدته ١٠٠. ٠٠٠ مقاتل، وفي ٢٠ أكتوبر مات شارل السادس وارتقت عرش إمبراطورية النمسا والمجر شابة لها جيش من الدرجة الثانية. في ذلك اليوم ذاته أرسل فرديك إلى فولتير خطاباً نذيراً بالشر، جاء فيه "أن موت الإمبراطور يغير كل أفكاري السليمة، وأظن أن الأمور ستنحو في شهر يونيو نحو المدافع والبارود، والجنود والخناق، بدلاً من الممثلات والمراقص والمسارح؛ بحيث أراني مضطراً إلى إلغاء الاتفاق الذي كنا على وشك إبرامه (٦٩).
وأحس فولتير في قلبه وجعاً. أترى تلميذه هذا تاجر حرب كأي ملك آخر؟ وانتهز دعوة فردريك إياه لزيارته في برلين فقرر أن يرى ما هو مستطيع صنعه في سبيل السلام وقد يستطيع في الوقت ذاته أن يصلح ما فسد بينه وبين فرساي لأن الكردينال فلوري، الذي ظل قابضاً على دفة الحكم في فرنسا كان هو أيضاً ينشد السلام. وعليه ففي ٢ نوفمبر كتب إلى الكردينال يعرض خدماته عميلا سرياً لفرنسا، في محاولة لرد فردريك إلى حظيرة الفلسفة. وقبل العنيفة على الدين "لقد كنت حدثاً، وربما طالت حداثتك بعض الشيء"(٧٠). وفي خطاب آخر بنفس التاريخ (١٤ نوفمبر) كتب الكردينال اللطيف ينبئ بتسليمه كتاب "المعارض لميكافيلي من مدام دشاتليه وأطراه وهو يحدس بحكمة هوية مؤلفة:
أياً كان مؤلف هذا الكتاب، فهو جدير بأن يكون أميراً إن لم يكنه. والقليل الذي قرأته منه يفيض حكمة ومعقولية وفيه تعبير عن مبادئ جديرة