سواء من الفرسان أو المشاة، أما المدفعية البروسية فقد أعادت تعبئة مدافعها بمدكات حديدية وألحقت من الأذى البالغ بالنمساويين ما حمل نايبيرج على إصدار أمره بالتقهقر. فلما استدعى فردريك ثانية إلى ساحة القتال أبهجه وأخجله أن يجد أن جيشه كسب المعركة. وأحس أنه أذنب لا بالجبن فحسب بل بالاستراتيجية الناقصة؛ فلقد بعثر رجاله الثلاثين ألفاً في سيليزيا قبل أن يدعم غزوه، ولم ينقذ الموقف غير شجاعة مشاته وحسن تدريبهم. وجاء في مذكراته أنه "فكر كثيراً في الأخطاء التي ارتكبها، وحاول إصلاحها فيما تلا ذلك"(٧٦). ولم يكن في بسالته قصور مرة أخرى بعد هذا، وندر أن أخطأ في التكتيك أو الاستراتيجية.
ونمى نبأ هزيمة الجيش النمساوي إلى ماريا تريزا وهي تستجم عقب ولادة طفلها. وبدا أن أملها الوحيد- في حالة الضعف الذي أصاب قوتها وماليتها- معقود على معونة من الخارج. فلجأت إلى الدول الكثيرة التي تعهدت من قبل بتأييدها للأمر العالي الخاص بحكمها. واستجابت إنجلترا بحذر؛ فهي في حاجة إلى نمسا قوية تثبت لفرنسا. ولكن جورج الثاني خاف على إمارته الهانوفرية إن خاض الحرب ضد جارته بروسيا. وأقر البرلمان البريطاني إعانة قدرها ٣٠٠. ٠٠٠ جنيه لماريا تريزا، ولكن المبعوثين البريطانيين حثوها على أن تتنزل عن سيليريا السفلى (الشمالية) لفردريك ثمناً للسلام. وكان فردريك راضياً بهذا الحل، ولكن الملكة رفضته. أما بولندا، وسافوي، والجمهورية الهولندية، فقد وعدت كلها بالمعونة، ولكنها أبطأت في إرسالها إبطاء أفقدها أثرها في النتيجة.
وكل ائتلاف يلد نقيضاً له. فما إن رأت فرنسا ذلك التقارب بين عدويها القديمين إنجلترا والنمسا حتى بادرت بالتحالف مع بافاريا، وبرويسا، وأسبانيا البوربورنية. وقد رأينا أن فرنسا كان لديها مكيافللها، وهو بيل - إيل، الذي اقترح هذه الآية من آيات اللصوصية السياسية. فعلى فرنسا التي تعهدت بتأييد الأمر العالي أن تسرع بالإفادة من مصيبة ماريا تريزا، وذلك بتأييد شارل ألبرت البافاري في مطالبته بالعرش الإمبراطوري عن طريق زوجته. وعلى فرنسا أن تقدم له المال والجند للمشاركة في الهجوم على النمسا،