جيلي"، واعتنق فيه مبدأ مكيافللي الذي غلب فيه مصلحة الدولة على مبادئ فضيلة الفرد.
ربما رأت الأجيال القادمة بدهشة في هذه المذكرات روايات عن معاهدات أبرمت ثم نقضت. ومع أن لهذه التصرفات سوابق كثيرة، فإنها ما كانت تشفع للمؤلف لو لم يكن لديه مبررات أفضل يعتذر بها عن سلوكه. إن مصلحة الدولة يجب أن تقوم قانوناً للملوك. ويجوز نقض المحالفات لأي من هذه الأسباب:
١ - حين لا يوفى حليف ما بتعهداته؛ ٢ - حين يبيت حليف خداعك، وحين لا يكون أمامك سبيل إلا أن تسبقه إلى خداعه؛ ٣ - حين تفرض عليك قوة قاهرة تضطرك إلى نقض اتفاقاتك، ٤ - حين تعوزك الوسائل لمواصلة الحرب .... ويبدو لي واضحاً جلياً أن الفرد الذي يتولى منصباً عاماً يجب عليه أن يوفي بوعده بكل أمانة … فإذا خدع استطاع أن يطلب حماية القوانين له .. ولكن إلى أي محكمة يلجأ الملك إذا انتهك ملك آخر المواثيق التي بذلها له؟ إن كلمة فرد ما تنطوي على كارثة لرجل واحد فقط، ولكن كلمة ملك قد تجر كارثة شاملة على أمم برمتها. وهذا كله يمكن اختزاله إلى سؤال واحد هو: هل من الخير أن يهلك الشعب أم أن يخرق الملك معاهدة؟؟ وأي أبله متردد في الجواب القاطع عن هذا السؤال؟ (٨٤)
وقد وافق فردريك اللاهوت المسيحي على أن الإنسان بطبيعته شرير. فلما أعرب مفتش تعليم يدعى زولتسر عن الرأي بأن "ميل البشر الفطري يتجه إلى الخير أكثر من الشر" رد الملك عليه قائلا "أواه يا عزيزي زولتسر، إنك لا تعرف هذا النوع الإنساني اللعين" (٨٥). ولم يقتصر فردريك على مجرد تقبل تحليل لاروشفوكو طبيعة البشر على أنها أنانية خالصة، بل آمن بأن الإنسان لن يقر بأن قيد على الجري وراء مصلحته إن لم يكبحه الخوف من الشرطة فما دامت الدولة هي الفرد مضروباً في أعداد كثيرة، وليس هناك شرطة دولية يردعها عن أنانيتها الجماعية، فلا سبيل إذن إلى كبح جماحها إلا أن تخاف سطوة غيرها من الدول. ومن ثم كان أول واجبات "خادم الدولة الأول" (كما سمى فردريك نفسه) أن ينظم قوة الأمة على الدفاع،