وهي تتضمن السبق بالهجوم - أي أن تفعل بالآخرين ما يبيتون أن يفعلوه بك. وهكذا كان الجيش في رأى فردريك، كما كان في رأى أبيه، أساس الدولة. لقد أرسى دعائم اقتصاد تشرف عليه الحكومة وتخططه بعناية، ورعى الصناعة والتجارة، وبعث عملاءه إلى جميع أرجاء أوربا ليجلبوا مهرة الصناع، والمخترعين، والصناعات، ولكنه أحس أن هذا كله لا غناء فيه آخر الأمر إن لم يصنع من جنوده أفضل جيوش أوربا تدريباً، وأضبطها نظاماً، وأجدرها بالثقة والاطمئنان.
أما وقد ملك هذا الجيش، ومعه بوليس حسن التنظيم، فإنه لم ير به حاجة إلى الدين معوناً على النظام الاجتماعي. فلما سأله وليم برنزويك ألا يرى أن الدين دعامة من أفضل دعائم سلطة الحاكم، أجاب "إنني أجد الكفاية في النظام والقوانين .... لقد كانت الدول تحكم حكماً جديراً بالإعجاب حين لم يكن لدينك وجود"(٨٦) ولكنه قبل أي عون استطاع الدين بذله في غرس المشاعر الفاضلة التي تعين على "النظام". وحمى جميع الأديان في مملكته، ولكنه أصر على تعيين الأساقفة الكاثوليك لا سيما في سيليزيا. (كذلك أصر الملوك الكاثوليك على تعيين الأساقفة الكاثوليك، وعين الملوك الإنجليز الأساقفة الأنجليكان.) وقرر أن يكون لكل إنسان الحرية في أن يعبد كما يشاء، أو لا يعبد على الإطلاق. وشمل هذا الروم الكاثوليك، والمسلمين، والتوحيدين، والملحدين. على أنه كان هناك قيد واحد على هذه الحرية، فحين كان الجدل الديني ينقلب إلى السب أو العنف الشديدين، كان فردريك يخمده كما أي خطر يهدد السلام الداخلي. وفي سنواته الأخيرة كان أقل تسامحاً مع الهجمات على حكومته منه على الهجمات على الله.
فأي رجل كان، مرهب أوربا هذا ومعبود الفلاسفة؟ لم يزد طوله على خمسة أقدام وست بوصات، وليست هذه بالقامة الشامخة. وقد غلبت عليه السمنة في شبابه، ولكنه غدا الآن بعد عشر سنين من الحكم والحرب نحيلا، عصبياً، مشدوداً، وكأنه سلك من الحساسية والنشاط الكهربيين، له عينان حادتان فيهما ذكاء متشكك، وله قدرة على الفكاهة، ونكته الذكية لا تقل حدة عن نكت فولتير. كان في وسعه، كإنسان لا يعارضه