الكلفني. وقد وصفها دالامبير في مقاله عنها في "الموسوعة" وصف معجب بها كما رآها في ١٧٥٦:
من العجيب أن مدينة لا يزيد سكانها على ٢٤. ٠٠٠ نسمة وتشمل رقعتها أقل من ثلاثين قرية، قد حافظت على استقلالها، وهي من أكثر المجتمعات ازدهاراً في أوربا. وهي في غناها بحريتها وتجارتها ترى كل ما حولها يشعل دون أن يمسها من ذلك أذى. فالأزمات التي تضطرب بها أوربا ليست بالنسبة لها غير مشهد تتفرج عليه دون أن تشارك فيه. وهي مع ارتباطها بفرنسا برباط الحرية والتجارة، وبإنجلترا برباط التجارة والمذهب الديني، تبدي رأيها بإنصاف في الحروب التي تخوضها هاتان الأمتان الواحدة ضد الأخرى، ولكنها أحكم من أن تنحاز لإحداهما. وهي تصدر حكمها على جميع ملوك أوربا دون تملق، أو إساءة، أو خشية (٢١).
وكانت هجرة الهيجونوت من فرنسا نعمة على جنيف، لأنهم جلبوا إليها مدخراتهم ومهاراتهم، وجعلوا المدينة عاصمة صناعة الساعات في العالم بأسره. وقد قدرت مدام دبينيه عدد المشتغلين بتجارة المجوهرات بستة آلاف (٢٢). فأصبح جاك نكير وزيراً لمالية لويس السادس عشر، وألبير جالاتان وزيراً لخزانة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جفرسن.
وكان الحكم في جنيف امتيازاً طبقياً شأنه في كل المقاطعات، فلا يقبل في الوظائف العامة غير السكان الذكور الذين ولدوا في جنيف لآبا وأجداد مواطنين. وتلي طبقة الأشراف هذه طبقة البورجوازية من أرباب الصناعات، والتجار، وأصحاب الحوانيت ومعلمي الحرف، وأعضاء المهن. وكان الأشراف والبورجوازيون، الذين قل أن جاوز عددهم ألفاً وخمسمائة (٢٣)، يجتمعون كل سنة في كاتدرائية القديس بطرس لينتخبوا "مجلساً كبيراً" من مائتي عضو "ومجلساً صغيراً" من خمسة وعشرين عضواً. ويختار المجلسان أربعة مأمورين، كل منهم لعام واحد، رؤساء تنفيذيين للدولة. وهناك طبقة ثالثة مجردة من حق الانتخاب، هم "المستوطنون" المنحدرون من آباء أجانب، وطبقة رابعة هم "الأهالي" المولودون في جنيف لجنيفيين