غير وطنيين هؤلاء "الأهالي" الذين ألفوا ثلاثة أرباع السكان لم يكن لهم من الحقوق المدنية غير دفع الضرائب، فهم لا يستطيعون الاشتغال بالأعمال التجارية أو المهن ولا بوظائف الجيش أو برآسة حرفة في نقاب. ولقد دار التاريخ السياسي لهذه الجمهورية حول الصراع البورجوازيين للحصول على حق شغل وظائف الدولة، وصراع الطبقتين الدينيتين للحصول على حق التصويت. وفي ١٧٣٧ امتشق مواطنو المدينة الحسام ليقاتلوا طبقة الأشراف، وأكرهوها على قبول دستور جديد يقضي لجميع الناخبين بالحق في أن ينتخبوا أعضاء في المجلس الكبير، ولهذا المجلس حق إصدار القرارات النهائية في مسائل الحرب والسلم، والأحلاف والضرائب، وإن كان التشريع لا يقدم إلا من المجلس الصغير، أما"الأهالي" فقد سمح لهم بالاشتغال ببعض المهن مع بقائهم محرومين من التصويت. وظلت الحكومة أوليجاركية، ولكنها كانت تدار بكفاية، ومحصنة نسبياً ضد الفساد.
وكان يلي طبقة الأشراف في النفوذ مجمع القساوسة الكلفينين. فقد نظم هذا المجمع شئون التعليم، والأخلاق، والزواج، ولم يسمح بأي تدخل في سلطته من السلطة العلمانية. ولم يكن هنا أساقفة ولا رهبان. وقد أشاد الفيلسوف دالامبير بفضائل الأكليروس الجنيفي ووصف المدينة بأنها أشبه بجزيرة من الأدب والعفة، رآها النقيض للفوضى الخلقية التي فشت بين فرنسي الطبقة العليا. أما مدام دبينيه فبعد أن مارست العديد من العلاقات الغرامية، امتدحت "العادات الصارمة … لشعب حر، هو عدو للترف (٢٤).
ولكن رجال الدين زعموا أن شباب جنيف يفسد في لكباريهات، وأن الصلوات العائلية تتقلص، وأن الناس يثرثرون في الكنيسة، وأن بعض المصلين المتواجدين في المؤخرة يأخذون أنفاساً من "بيباتهم" ليستعينوا بها على ابتلاع العظة (٢٥). وشكا الوعاظ من عجزهم عن توقيع العقوبات إلا الروحي منها، ومن إغفال تحذيراتهم وإنذاراتهم إغفالا متزايداً.
وقد أبهج فولتير أن يجد العديد من رجال الدين الجنيفيين متقدمين نوعاً ما في لاهوتهم. فقد أتوا ليستمعوا بضيافته في فيللا المباهج، واعترفوا له سراً