في علاقاتهم بالمسيحية على الأخص. وهاجم إهمال الأسقف بوسويه للصين والهند، وفكرته عن العرب، أنهم مجرد زنادقة همج. وأقر بالجهد الفلسفي الذي بذله سلفه في البحث عن موضوع موحد أو عملية رابطة في التاريخ، ولكنه لم يستطيع موافقته على أن التاريخ يمكن تفسيره تدبيراً تسيره العناية الإلهية، أو برؤية يد الله في كل حدث كبير. فلقد رأى التاريخ -بدلا من هذا- المسيرة البطيئة المترددة التي خطا بها الإنسان، بفضل الأسباب الطبيعية والجهد البشري، من الجهل إلى المعرفة، ومن المعجزات إلى العلم، ومن الخرافة إلى العقل. ولم يستطيع رؤية أي خطة إلهية في دوامة الأحداث. وقد جعل من الدين المنظم شخصية "الشرير" في قصته، ربما انتفاضاً على بوسويه لأنه بدا له على العموم حليفاً للظلامية، ميالاً إلى الطغيان، مثيراً للحرب. وهكذا دفع فولتير حرصه على استنكار التعصب والاضطهاد إلى الغلو في تحميل قصته من جانب، غلو بوسويه في تحميلها من الجانب الآخر.
وفي منظوره العالمي الجديد الذي أتاحه له تقدم الجغرافيا بفضل تقارير الرواد، والمبعوثين الدينيين، والتجار، والرحالة، اتخذت أوربا مكاناً أكثر تواضعاً في لوحة التاريخ الواسعة. فقد أعجب فولتير بتلك "المجموعة من لمشاهدات الفلكية التي تجمعت خلال ألف وتسعمائة سنة متعاقبة في بابل، والتي نقلها الاسكندر إلى اليونان"(٤١) وخلص إلى أنه لا بد أن دجلة والفرات قد غنيا بحضارة راقية، لا تظفر عادة بأكثر من جملة أو جملتين في تواريخ كتاريخ بروسويه. وتأثر أكثر بعراقة الحضارة في الصين وانتشارها وتفوقها؛ ومع ذلك فإن هذه الأمة وأمة الهند، أقدم الدول الحية … اللتين اخترعتا كل الآداب والفنون تقريباً قبل أن نعرف واحداً منها، كان نصيبها الإغفال حتى يومنا هذا في تواريخنا التي نزعم أنها عالمية. " (٤٢) وقد طاب لهذا المقاتل عدو المسيحية أن يجد ويقدم للقراء الكثير من الحضارات العظيمة التي سبقت المسيحية بزمن طويل، والتي لم يكن لها أي علم بالكتاب المقدس، ومع ذلك أنجبت الفنانين، والشعراء، والحكماء، والقديسين،