واللؤم لا غناء فيها … ولو أنك رغم احتفاظك بتلك التفاصيل التي تصور العادات، استطعت أن تؤلفي من تلك الفوضى صورة عامة واضحة المعالم؛ ولو أنك اكتشفت في الأحداث "تاريخ العقل البشري" أفتعتقدين عندها أنك ضيعت وقتك هباء؟ " (٣٩).
وظل عاكفاً على مشروعه هذا على مراحل متقطعة مدى عشرين عاماً يقرأ بنهم، ويسجل المراجع، ويجمع الملاحظات، حتى إذا جاء عام ١٧٣٩، وضع لمدام شاتليه "مجملا للتاريخ العام"؛ وفي ١٧٤٥ - ٤٦ طبعت أجزاء منه في صحيفة "لامركير دفرانس". وفي ١٧٥٠ أصدر "تاريخ الحروب الصليبية"؛ وفي ١٧٥٣، في لاهاي، ظهر "المجمل" في مجلدين، وفي ١٧٥٤ في ثلاثة، وأخيراً نشر النص الكامل بجنيف في ١٧٥٦ في سبعة مجلدات بعنوان "مقال في التاريخ العام"، وكان يشمل "عصر لويس الرابع عشر" وبعض فصول تمهيدية عن الحضارات الشرقية. وفي ١٧٦٢ أضاف "خلاصة لعصر لويس الرابع عشر" وثبتت طبعة ١٧٩٦ العنوان النهائي للكتاب كالآتي: "مقال في أعراف الأمم وروحها منذ شرلمان حتى أيامنا هذه "وكلمة الأعراف moeurs لم تكن العادات والأخلاق فحسب، بل التقاليد والأفكار والمعتقدات والقوانين. ولم يغط فولتير دائماً كل هذه المواضيع، ولا دون تاريخ الثقافة، أو العلم، أو الفلسفة، أو الفن؛ ولكن كتابه كان مجموعة تناولا جزيئاً لتاريخ الحضارة من أقدم العصور حتى زمانه. والأجزاء التي عالجت تاريخ المشرق مقدمات موجزة، أما القصة الأكمل فتبدأ بشرلمان، حيث توقف كتاب بوسويه "حديث في التاريخ العالمي"(١٦٧٩). كتب فولتير يقول "أريد أن أعرف ما هي الخطوات التي انتقل بها البشر من الهمجية إلى المدينة"-وهو يعنى الانتقال من العصور الوسطى إلى الأزمنة الحديثة" (٤٠).
وقد أثنى على بوسويه لمحاولته كتابة "تاريخ عالمي". ولكنه اعترض على تصور هذا التاريخ تاريخاً لليهود والمسيحيين، ولليونان والرومان