بأقوال مؤلفين معاصرين امتدحوا الحروب التي شنت على الالبيجنس، وإعدام هس، بل مذبحة القديس برتلميو، فالعالم يحتاج ولا ريب إلى التاريخ يدمغ هذه الأفعال بالإجرام ضد الإنسانية والفضيلة (٥٤). -وربما أخطأ فولتير في فهم وظيفة المؤرخ رغم كل فكرته المنيرة عن الكيفية التي ينبغي أن يكتب بها التاريخ، فلقد جلس في مجلس القضاء يحاكم كل شخص وكل حادث، ويصدر الأحكام كأنه "لجنة أمن عام" التزمت بحماية الثورة الفكرية ودفعها قدماً. وقد حكم الناس لا بلغة زمانهم الفاسد ومعرفتهم المحدودة، بل في ضؤ المعرفة الأوسع التي توافرت منذ أن ماتوا. وقد ألف فولتير "المقال" في أوقات متفرقة على مدى عشرين عاماً، وسط الكثير من المغامرات والشدائد التي شتتت انتباهه، لذلك افتقر هذا الكتاب إلى اتصال الرواية ووحدة الشكل، ولم يدمج أجزاءه تماماً في كل متماسك.
ولكن محاسن الكتاب لا تحصى. فرقعة معرفته هائلة، وهي شهادة ما بذله فيه مؤلفه من البحث الجاد المثابر. وأسلوبه المشرق، الذي أثقلته الفلسفة وخففته الفكاهة، رفعه إلى مرتبة دونها مرتبة أكثر كتب التاريخ فيما بين كاسيتوس وجيبون. وقد لطفت روحه الهامة من تحيزه، وما زال الكتاب ينبض بمحبة الحرية، والتسامح، والعدالة، والعقل. في هذا أيضاً أصبحت كتابة التاريخ فناً، بعد الكثير جداً من كتب الأخبار التي اتسمت بالغفلة وافتقرت إلى الحياة. وفي جيل واحد أحال ثلاثة كتب تاريخ أخر أحداث الماضي أدباً وفلسفة:"تاريخ إنجلترا" لهيوم، و"تاريخ حكم الإمبراطور شارل الخامس" لروبرتسن، و "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها" لجيبون-وكلها مدينة لروح فولتير، ومن بعض الوجوه للمثال الذي ضربه. وقد نوه ميشليه بالكتاب فقال في عرفان بالجميل أنه. "التاريخ" الذي صنع فن كتابة التاريخ كله، والذي أنجبنا كلنا، نقاداً ورواة على السواء (٥٥). وليت شعري ما الذي نفعله نحن هنا إلا السير على درب فولتير؟
عندما وضعت حرب السنين السبع فرنسا في صف أعداء فردريك، انبعث حب فولتير الكامل لوطنه من جديد، ربما ممزوجاً بذكريات قديمة