والطمأنينة؛ فهو لا يروي غير الغارات المدمرة والكوارث … والتاريخ كله بإجاز، ليس إلا سلسلة طويلة من أعمال القسوة العقيمة … مجموعة من الجرائم، والحماقات، والنكبات، التقينا وسطها بين الحين والحين ببعض الفضائل، وبعض الأوقات السعيدة، أننا حين نرى أحياناً أكواخاً مبعثرة في صحراء مقفرة … وبما أن الطبيعة ألقت في قلب الإنسان الأنانية والكبرياء وجميع الأهواء، فلا عجب إذن … أن نلتقي بسلسلة من الجرائم والكوارث لا تكاد تنقطع" (٥٢).
وهذه صورة مقبضة جداً وكأن صاحبها رسمها فيما بين أيامه النكدة في برلين، أو وسط ضروب الإهانة والقهر التي لقيها فرنكفورت. ولعل الصورة كانت تصبح أكثر إشراقاً لو أن فولتير أنفق صفحات أكثر على رواية تاريخ الأدب، والعلم، والفلسفة، والفن. أما والصورة قائمة إلى هذا الحد، فإنا نتساءل: ما باله قد جشم نفسه كل هذه المشقة ليرسمها بهذا الإسهاب الشديد؟ ولعله كان يجيب: لكي يصدم القارئ حتى يتنبه ضميره وفكره، ويهز الحكومات حتى تعيد صياغة التعليم والتشريع لتكون ناساً أفضل. صحيح أننا لا نستطيع أن نغير الطبيعة البشرية، ولكنا نستطيع أن نعدل تصرفاتها بتقاليد وعادات أصح وشرائع أحكم. وإذا كانت الأفكار قد غيرت العالم، فلم لا تصنع الأفكار الأفضل عالماً أفضل؟ وهكذا خفف فولتير في النهاية من تشاؤمه بالأمل في نشر التعقل عاملا صابراً من عوامل النهوض بالبشر.
وسرعان ما نقد الناقدون ما في "مقال الأعراف"؛ من عيوب. فلم يقتصر الأمر على نونوت، بل إن لارشير، وجينيه، وكثيرين غيرهم نددوا بأخطاء الحقائق التي وردت فيه، ولم يعسر على اليسوعيين كشف التحامل لذي شوهه. واتفق معهم مونتسكيو في الناحية فقال "إن فولتير يشبه الرهبان الذين لا يكتبون من أجل الموضوع الذي يعالجونه، بل لمجد طائفتهم؛ إنه يكتب من أجل ديره. " (٥٣) ورد فولتير على نقاده بأنه أكد على أخطاء المسيحية لأن غيره ما زالوا يدافعون عنها؛ ثم استشهد