ويوليبيوس، مؤرخين جديرين بالثقة. وتشكك في الأخبار التي كتبها الرهبان، ولكنه أثنى على دوكانج ونللمون "المدقق" ومابيون "العميق" ورفض أن يواصل التقليد القديم، تقليد الخطب الخيالية، أو التقليد الحديث، تقليد "اللوحات"التاريخية. وأنزل مكان الفرد في المجرى العام للأفكار والأحداث، وكان الأبطال الوحيدون الذين عبدهم هم أبطال العقل.
وقد ألمع فولتير في "المقال" وفي غيره إلى فلسفته في التاريخ دون أن يصوغها. وكتب "فلسفة للتاريخ" وقدم بها لطبعة من "المقال" في ١٧٦٥. وكان ينفر من "مذاهب" الفكر، ومن كل المحاولات لاختزال الكون في صيغة أو قانون، ويعرف أن الحقائق أقسمت أن تكون خصماً أبدياً للتعليمات. ولعله أحس أن أي فلسفة للتاريخ ينبغي أن تلي سرد الأحداث وتنبع منه، لا أن تسبقه وتقرره. على أن استنتاجات عريضة انبعثت من روايته للتاريخ: فالحضارة سبقت "آدم" و"الخليقة" بآلاف السنين؛ والطبقة البشرية في جوهرها واحد في كل زمان ومكان، ولكن شتى العادات والتقاليد عدلتها تعديلا منوعاً، وأن المناخ والحكومة، والذين، هي العوامل الأساسية التي تقرر هذه الاختلافات، وأن دولة العادات والتقاليد أوسع كثيراً من دولة الطبيعة" (٥٠) والاتفاق والمصادفة (في نطاق السلطات الشامل للقوانين لطبيعة (يلعبان دوراً هاماً في توليد الأحداث، والتاريخ لا تصنعه عبقرية الأفراد بقدر ما تصنعه الأفعال الغريزية التي تؤثر بها الجماهير البشرية في بيئتها؛ وهكذا تنتج، جزءاً فجزءاً، العادات، والأخلاق، والاقتصاديات، والقوانين، والعلوم، والفنون والآداب التي تصغ حضارة وتبعث روح العصر. "إن هدفي الرئيسي هو دائماً ملاحظة روح العصر، لأنه هو الذي يوجه أحداث العالم الكبرى" (٥١).
والتاريخ في جملته، كما فولتير في "تلخيصه"، قصة مرة محزنة (كما يكتب عموماً).
"لقد اجتزت الآن المشهد الضخم للثورات التي عرفها العالم منذ عهد شارلمان؛ فإلام كان اتجاهها؟ إلى الخراب، وخسارة ملايين الأنفس! فكل حدث كبير كان نكبة كبرى. ولم يحفظ لنا التاريخ وصفاً لعصور السلم