بلاكستون في "تعليقاته" يقول: "إن إنكار إمكان السحر والمعرفة، لا بل وجودهما الفعلي، إنما هو تكذيب صريح لكلمة الله، فالشيء وذاته حقيقة شهدتها كل أمة في العالم بدورها". ولكن القانون الإنجليزي الذي جعل من السحر جناية كبرى ألغى في ١٧٣٦ رغم بلاكستون والكتاب المقدس. ولم يرد ذكر لأي حكم بالإعدام عقاباً على تهمة السحر لا في فرنسا بعد ١٧١٨، ولا في إسكتلندة بعد ١٧٢٢؛ وحكم الإعدام الذي نفذ في سويسرا عام ١٧٨٢ هو آخر ما ورد من أحكام إعدام في القارة الأوربية (٦). وكان لازدياد الثروة، وتكاثر المدن، وانتشار التعليم، وتجارب العلماء، ونداءات الأدباء والفلاسفة - كان لهذا أثره في الحد شيئاً فشيئاً من دور الشياطين والعفاريت في حياة الناس وتفكيرهم، ورفض القضاة الاستماع إلى تهم العرافة، متحدين في ذلك التعصب الجماهيري. وبدأت أوربا تنسى أنها ضحت بمائة ألف رجل، وامرأة، وفتاة، على مذبح خرافة واحدة فقط من خرافاتها الكثيرة (٧).
وظل اضطهاد الكنيسة والدولة، والكاثوليك والبروتستنت، للمنشقين والخوارج يرهب الناس بأهواله ليحجب عن عقولهم أي أفكار قد تمس لمعتقدات الراسخة أو تزعج السلطات المقررة. وقد زعمت الكنيسة الكاثوليكية أن مؤسسها هو ابن الله، فهي إذن مستودع الحق الإلهي، والمفسر لشرعي الوحيد له، ولها إذن حق قمع الهرطقة. وقد انتهت إلى أنه لا خلاص لإنسان من الهلاك الأبدي خارج الكنيسة. ألم يقل المسيح "من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن"؟ (٨) ومن ثم فإن مجمع اللاتران المسكوني الرابع، المنعقد في ١٢١٥، جعل النص الآتي جزءاً من العقيدة النهائية التي يلزم بها كل كاثوليكي "هناك كنيسة جامعة واحدة للمؤمنين، لا خلاص خارجها لأحد على الإطلاق"(١)
(١) أكد البابا بيوس التاسع هذه العقيدة من جديد في منشوره الذي أصدره في ١٠ أغسطس ١٨٦٣، "أن العقيدة الكاثوليكية معروفة جيدا، وهي أنه لا يستطيع أحد أن يخلص بعيدا عن الكنيسة الكاثوليكية (الموسوعة الكاثوليكية، ٣ - ٧٥٣ ب).