وفي الأقاليم المتحدة رفض رجال الدين البروتستنت التسامح باعتباره محرضاً على اللامبالاة الدينية، ولكن العلمانيين رفضوا الاقتداء برجال الدين في هذا الأمر، فأصبحت هولندا بفضل تحريرها النسبي من الاضطهاد ملاذاً للأفكار والمطبوعات غير التقليدية. وفي إنجلترا سمحت القوانين بالانشقاق الديني، ولكنها تعقبت المنشقين بالقيود الاجتماعية والسياسية. وقد صرح صموئيل جونسن في ١٧٦٣ بأن "التعليم الباطل ينبغي قمعه بمجرد ظهوره؛ وينبغي أن تتكالف السلطة المدنية مع الكنيسة في عقاب من يجرؤن على مهاجمة الدين المقرر"(١١). وأحرقت الحكومة الإنجليزية ين الحين والحين الكتب، أو وضعت في المشهرة مؤلفيها الذين تشككوا في أسس الإيمان المسيحي؛ مثال ذلك أن وولستن غرم وحبس في ١٧٣٠، وفي ١٧٦٢ حكم على بيتر آرنت بوضعه في المشهرة، ثم بالسجن سنة مع الأشغال الشاقة، بسبب تهجمه على المسيحية. وكانت القوانين التي شرعت ضد الكاثوليك تطبق في إنجلترا تطبيقاً غير دقيق، ولكنها نفذت بصرامة في إيرلندة، إلى أن رفض اللورد تشسترفيلد تطبيقها حين تولى حكم الإقليم في ١٧٤٥؛ وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر ألغي بعض اللوائح الصارمة. ويمكن القول بصفة عامة أن نظرية الاضطهاد كان يؤمن بها رجال الدين الكاثوليك والبروتستنت حتى سنة ١٧٨٩، إلا حيث كان الكاثوليك أو البروتستنت أقلية، ولكن ممارسة الاضطهاد تضاءلت بظهور رأى عام جديد مع تطور الارتياب الديني. وانتقلت غريزة الاضطهاد من الدين إلى السياسة بحلول الدولة محل الكنيسة حارساً على الإجماع والنظام وهدفاً للانشقاق المبتدع.
أما الرقابة على الكلام والمطبوعات فكانت في الدول البروتستنتية بصفة عامة منها في الدول الكاثوليكية، وكانت أهون ما تكون في هولندا وإنجلترا. وكانت صارمة في أكثر المقاطعات السويسرية. وقد أحرق آباء المدينة في جنيف بعض الكتب الخارجة على السنة، ولكن ندر أن اتخذوا إجراء ضد مؤلفيها. وفي ألمانيا تعطلت الرقابة لتعدد الولايات التي كان لكل منها عقيدته الرسمية الخاصة؛ وكان في استطاعة الكاتب أن ينتقل عبر الحدود