مكتباتهم ومجموعات مخطوطاتهم للقيام بأبحاث وتصنيف سجلات كانت معينة جداً للفكر الحديث. من ذلك أن رهبان القديس مور البندكتيين واصلوا عكوفهم القديم على الدراسات التاريخية. وأنشأ دوم برنار دمونفوكون علم الباليوغرافيا (الكتابات القديمة) بكتابه "الباليوغرافيا اليونانية"(١٧٠٨)، ووضح التاريخ القديم بالفن القديم في كتابه "العلم القديم مشروحاً وممثلا بالصور"(عشرة مجلدات، ١٧١٩ - ٢٤) ووجه دراساته المدققة لوطنه في خمسة مجلدات من القطع الكبير "آثار المملكة الفرنسية"(١٧٢٩ - ٣٣). وبدأ دوم أنطوان ريفيه دلاجرانج في ١٧٣٣ التاريخ البندكتي المسمى "التاريخ الأدبي لفرنسا" الذي أصبح السلف والمعين الذي استمدت منه جميع التواريخ اللاحقة للأدب الفرنسي القديم. وكان أعظم علماء القرن الثامن عشر البندكتيين هؤلاء هو دوم أوجستن كالميه، الذي التجأ فولتير إلى ديره نصية على جميع أسفار العهدين القديم والجديد" (١٧٠٧ - ١٦)، بل سطا عليه أحياناً. ورغم ما في هذه المجلدات الأربعة والعشرين من مآخذ (١٨) فقد امتدحها القراء باعتبارها أثراً شامخاً للتفقه في العلم. وقد ألف كالميه عدة كتب أخرى في تفسير الكتاب المقدس، وحذا حذو بوسويه في تصنيف "تاريخ للعالم" (١٧٣٥)، وأنفق كل ساعات يقظته تقريباً في الدرس والصلاة. ومرة سأل فولتير في جهل سعيد "من تكون مدام دبومبادور هذه؟ " (١٩) ورفض منصب الأسقفية، وكتب قبريته التي قال فيها باللاتينية "هنا يرقد إنسان قرأ كثيراً، وكتب كثيراً، وصلى كثيراً فلعله أحسن عملا! آمين" (٢٠).
وشارك بعض العلمانيين الأجرياء في نقد الكتاب المقدس مثال ذلك الطبيب جان آستروك، الذي درس الأسفار الخمسة، التي افترض أن موسى كاتبها، في كتابه "استقراءات حول السجلات الأصلية التي يبدو أن موسى اقتنع بها في كتابة سفر التكوين" (١٧٥٣)؛ هنا ذكر لأول مرة أن استعمال اسمين مختلفين لله، وهما يهوه وأيلوهيم، يشير إلى قصتين أصليتين للخليفة، ربط بينهما في سفر التكوين ربطاً واهياً متكرراً. وحاول آخرون من دارسي الكتاب المقدس أن يحبسوا تاريخ الخليفة من واقع