فلم يستسلم للمد الشرقي، ووصف الأباطرة الصينيين بأنهم حكام مستبدون، وندد بالتجار الصينيين غير الأمناء، وفضح فقر الجماهير الصينية، وتنبأ بما سيسفر عنه تكاثر السكان في الصين من عواقب وخيمة (٣٦). وحاول كزينيه الرد على مونتسكيو في كتابه "حكم الصين الاستبدادي"(١٧٦٧)، فأثنى علة هذا الحكم لأنه "استبداد مستنير" واستشهد بنماذج صينية على إصلاحات لازمة في الاقتصاد والحكم الفرنسي. أما طرجو، المرتاب في مثالية الصين، فقد كلف كاهنين كاثوليكيين صينيين في فرنسا بأن يذهبا إلى الصين ويحاول الحصول على إجابات حقيقية عن اثنين وخمسين سؤالا، وقد شجع تقديرهما على تقييم أكثر واقعية لما في الحياة الصينية من خير وشر (٣٧).
وقد قرأ فولتير عن الصين في إفاضة وشغف. وخص لحضارة الصينية بالفصول الثلاثة الأولى في "المقالة عن العرف"، ووصف الصين في قاموسه الفلسفي بأنها "أروع ممالك الأرض، وأقدمها، وأوسعها، وأحفلها بالسكان، وأحسنها تنظيما"(٣٨).
وقد أسهم إعجابه بالحكومة الصينية في ميله إلى الاعتقاد بأن خير أمل في الإصلاح الاجتماعي معقود على "الاستبداد المستنير"، الذي عنى به الملكية المستنيرة. وكان كالعديد من الفرنسيين، وكالفيلسوف الألماني فولف، على استعداد لسلك كونفوشيوس في زمرة القديسيين، لأنه "علم الشعب مبادئ الفضيلة قبل تأسيس المسيحية بخمسمائة سنة"(٣٩). وذهب فولتير، وهو الذي عرف عنه أدب السلوك، إلى أن ما تحلى به الصينيون من ذوق وضبط للنفس، ومسالمة هادئة، مثال ينبغي أن يقتدي به مواطنوه السريعوا الانفعال (٤٠)، وربما أن يقتدي به هو نفسه. فلما ترجمت إلى الفرنسية قصيدتان من نظم تشين لونج (حكم ١٧٣٦ - ٩٦) إمبراطور الصين في تلك الفترة، استجاب فولتير لهما شعراً. فأهداه الإمبراطور زهرية من الخزف الصيني.
وكان علم الأوربيين بالأديان والأنظمة الأجنبية عاملا قوياً في إضعاف اللاهوت المسيحي. وأفضت الأنباء الواردة من فارس، والهند، ومصر، والصين، وأمريكا، إلى سلسلة لا آخر لها من الأسئلة المربكة. فتساءل