ألا تخشى الموت، وحين يأتي دون ألم، فإنه يكون وظيفة أخيرة ليست بالكريهة … إن الموت هو الراحة الكبرى للجسد (١٠).
ومات في ١٠ أبريل ١٨١٣ وقد بلغ الخامسة والسبعين غير باك على شئ إلا اضطراره لترك زوجته الوفية عرضه لمخاطر ذلك العهد، حين بدا أن العالم كله قد امتشق الحسام لقتال فرنسا.
وحمل صديقاه جسبارمونج، وأدريان لجاندر، إلى القرن التاسع عشر تلك الأبحاث الرياضية التي كانت الأسس للتقدم الصناعي. وينتمي إنتاج لجاندر (١٧٥٢ - ١٨٣٣) إلى عصر ما بعد الثورة، وحسبنا أن نقرئه التحية في طريقنا. أما مونج فكان بابن بائع متجول وسنان سكاكين. ونحن نراجع فكرتنا عن الفقر الفرنسي حين نرى هذا العامل البسيط يوفر لثلاثة من أبنائه التعليم في الكلية. ونال جسبار كل ما أتيح من جوائز في المدرسة. وفي الرابعة عشرة صنع آلة لإطفاء الحريق، وفي السادسة عشرة رفض دعوة معلميه اليسوعيين إياه ينضم إلى طريقتهم، وبدلا من هذا أصبح أستاذ الفيزياء والرياضة في المدرسة الحرية بميزيير. وهناك صاغ أصول هندسته الوصفية- وهي طريقة لعرض شكل ثلاثي الأبعاد على مستوى وصفي واحد. وتبين عظم فائدة هذه الطريقة في تصميم الحصون وغيرها من المباني، حتى أن الجيش الفرنسي ظل خمسة عشر عاماً يحظر عليه البوح بسرها علناً، ثم سمح له (١٧٩٤) بتدريسها في مدرسة المعلمين بباريس. وقد أخذ لجرانج العجب وهو يستمع إلى محاضراته فيها، شأن جوردان في مسرحية فولتير "قبل أن أستمع إلى مونج لم أعرف أنني أعرف الهندسة الوصفية"(١١). وقد أبلى مونج بلاء حسناً في خدمة الجمهورية التي تعد نفسها للمعركة. وارتقى إلى منصب وزير البحرية. وعهد إليه نابليون بالكثير من المهام السرية. وبعد عودة البوربون إلى الملك عانى مونج من الفاقة والتعرض للخطر. فلما مات (١٨١٨) منع تلاميذه في مدرسة الفنون والصنائع من السير في مأتمه. وفي الغد ساروا إلى المدفن بيئتهم لكاملة، ووضعوا على قبره أكليلاً من الزهر.