يمهلهما كثيراً حتى يسقطها عن عرشهما" (٢٤). وكانت تلك نبوءة مشئومة فالفيزياء الآن ملكة العلوم، والرياضة معينتها، ولكن ما من أحد يستطيع التنبؤ بما قد يسفر عنه اتحادهما.
ومع ذلك، ففي وسط جميع انتصارات رياضة القرن السابع عشر وفيزيائه وفلكه، كان علم صغير قد انبعث من أقمطة الكيمياء. وأوشك خطأ مؤسف أن يخنقه وهو بعد في المهد. ذلك أن جورج شتال أستاذ الطب والكيمياء في هاللي، عملا بنظرية اقترحها بوهان بيشر في ١٦٦٩، علل الاختراق بأنه إطلاق "الفلوجستون" (اللاهوب) من المادة المحترقة إلى الهواء وكلمة Phlogiston هي المقابل اليوناني لكلمة inflammable أي قابل للاحتراق؛ وكلمة phlox هي المقابل اليوناني لكلمة flame أي اللهب، وتعني اليوم نباتاً تتلون أزهاره أحياناً باللون الأحمر المشتعل). وما وافى عام ١٧٥٠ حتى قبل معظم الكيميائيين في غرب أوربا هذه النظرية التي تزعم أن الحرارة أو النار مادة منفصلة عن المادة المشتعلة. ولكن أحداً لم يستطع أن يفسر، إذا كان الأمر كذلك فما السر في أن المعادن تزن بعد احتراقها أكثر منها قبله.
وقد مهد لتعليلنا الراهن للاحتراق العمل الذي قام به هيلز، وبلاك، وشيليه في كيمياء الهواء. أما ستيفن هيلز فقد عبد الطريق باختراعه "الحوض الغازي" وهو وعاء هوائي يمكن أن تجمع فيه الغازات في إناء مقفل فوق الماء. وقرر أن الغازات (وقد سماها "الأهوية") تحتويها جوامد كثيرة، ووصف الهواء بأنه "سائل مطاط رقيق" له جزيئات ذات طبيعة مختلفة جداً تطفو فيه" (٢٥).
وقد أنهى تحليل الهواء والماء إلى مواد منوعة الفكرة القديمة عن الهواء، والماء، والنار، والتراب، باعتبارها العناصر الرئيسية الأربعة. وفي الجيل التالي أثبتت تجارب جوزف بلاك (١٧٥٦) أن من مكونات الهواء ما سماه اقتداء بهليز-"الهواء الثابت" أي الهواء المحتوي في المواد الجامدة أو السائلة والقابل للإزالة منها، ونحن نسميه الآن ثاني أوكسيد الكربون أو غاز حامض الكربونيك". وزاد بلاك بتمهيده الطريق للكشف عن الأوكسجين بإثباته