للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم ألقى بنفسه فوق كوكب لا يكاد يدرك حجمه في المجموعة الشمسية، وامتداده الشاسع ليس إلا نقطة تافهة في اتساع الفضاء. والنتائج السامية التي قاده إليها هذا الكشف خليقة بأن تعزيه عن المرتبة التي وضعت فيها الأرض، لأنها تبصره بعظمته في كل ضآلة القاعدة التي يقيس منها النجوم. فعليه أن يصون بعناية نتائج هذه العلوم السامية التي هي بهجة للكائنات المفكرة، وأن يوسع رقعتها. وقد أدت تلك العلوم خدمات جلية للملاحة والجغرافيا، ولكن بركتها الكبرى هي تبديد المخاوف التي سببتها الظاهر الفلكية والقضاء على الأخطاء المنبعثة من الجهل بعلاقتنا الصحيحة بالطبيعة- وتلك أخطاء ومخاوف ستنبعث من جديد إذا قدر لمشعل العلم يوماً ما أن ينطفئ" (٦٨).

وقد وجد لابلاس أن تكييف حياته وفق اضطرابات السياسة الفرنسية أيسر له من تكييف رياضياته لشذوذات النجوم. فلما أقبلت الثورة قوى عليها بكونه أعظم قيمة حياً منه ميتا، فاستخدمته مع لاجرانج لصنع ملح البارود للبارود، وحساب مسارات قذائف المدافع. وعين عضواً في لجنة الموازين والمقاييس التي وضعت النظام المتري. وفي ١٧٨٥ كان قد امتحن وأجاز طالباً متقدماً لسلاح المدفعية، هو بونابرت الذي كان في السادسة عشرة من عمره؛ وفي ١٧٩٨ أخذه الجنرال بونابرت إلى مصر ليدرس النجوم من الأهرام. وفي ١٧٩٩ عينه القنصل الأول وزيراً للداخلية وبعد سبعة أسابيع عزله لأن "لابلاس يبحث عن الرقائق والدقائق في كل مكان .. وينقل إلى الإدارة روح اللانهائي الصغر" (٦٩). ولكي يطيب بونابرت خاطره عينه في مجلس الشيوخ الجديد، وخلع عليه لقب الكونت. ورسم له ألان جاك أندريه نيجون صورة في ذهب رتبته الجديدة وزينتها: "وجه مليح شريف، وعينان محزونتان كأنهما شاعرتان بأن الموت يهزأ بكل عظمة وجلال، وبأن الفلك ما هو إلا تحسس في الظلام، وأن العلم ليس إلا نقطة ضؤ في بحر من الليل البهيم. وعندما حضرته المنية (١٨٢٧) أما الذي نجهله فلا حدود له" (٧٠).