المواد التي أزالها التحات وتجمعت في قاع البحر تتعرض للضغط والحرارة، فهي تنصهر، وتتجمع، وتتمدد وتتصاعد، وتطلع من المياه لتكون الجزر والجبال، والقارات. إما أن هناك حرارة باطنية فالدليل عليه ثوران البراكين. فالتاريخ الجيولوجي إذن عملية دائرة، انقباض وانبساط شاسعان لا يفتآن يصبان القارات في البحار ويرفعان القارات الجديدة في قلب تلك البحار. وقد أطلق الدارسون الذين جاءوا بعد هتن على نظريته اسم "الفلكانية"، (نسبة لفلكان إله النار) لقيامها على تأثيرات الحرارة، أو "البلوتونية" نسبة إلى بلوتو الإله القديم للعالم السفلي.
وقد تردد هتن نفسه في نشر آرائه لأنه عرف أنها ستلقي المعارضة لا من المؤمنين بالعصمة الحرفية للكتاب المقدس فحسب، بل من "النبتيونيين" على نحو لا يقل حدة. وقد وجد هؤلاء مدافعاً متحمساً في روبرت جيمسن أستاذ الفلسفة الطبيعية في جامعة أدنبرة. وقد اقتصر هتن أول الأمر على شرح نظريته لنفر من أصدقائه، فلما ألحوا عليه قرأ بحثين في موضوعها على جمعية أدنبرة الملكية، الحديثة التشكيل، في ١٧٨٥. وكان النقد الذي وجه إليها مهذباً حتى عام ١٧٩٣، حين هاجمه عالم معادن دبلني بعبارات أثارت حنقه، فرد بنشره كتاباً من عيون الجيولوجيا عنوانه "نظرية الأرض"(١٧٩٥). ومات بعد ذلك بسنتين. وبفضل كتاب جون بلايفير الواضح الأسلوب "إيضاحات لنظرية هتن"(١٨٠٢)، انتقل مفهوم التغيرات العظمى الناجمة عن العمليات البطيئة إلى علوم أخرى غير الجيولوجيا، وأعد أوربا لتطبيق داروين لهذا المفهوم على أصل الأنواع وتسلسل الإنسان.
د - الجغرافيا
ولكن وجه الأرض أكثر استواء للدارسين من أحشائها. ولقد كان العرض المتصاعد لاختلافات البشر في العرق، والأنظمة، والأخلاق، والعقائد، عاملا قوياً في توسيع آفاق الذهن الحديث. ومضى ارتياد المجهولة برغبة في الاستطلاع وحب للتملك أكثر من أي عهد سبق،