وتنازعت النظريات المتنافسة على أسباب هذه التكوينات. من ذلك أن أبراهام فرنر، الذي ظل اثنين وأربعين عاماً (١٧٧٥ - ١٨١٧) يعلم في مدرسة المناجم بفرايبورج، جعل كرسي أستاذيته المقر الشعبي للرأي "النبتيوني"، وهو القائل بأن القارات، والجبال، والصخور، والطبقات قد نشأت كلها من فعل المياه، من هبوط محيط كان يوماً يغطي العالم-وهو هبوط بطئ أحياناً، مباغت أحياناً أخرى؛ فالصخور هي ترسب معادن تركها البحر جافة، والطبقات هي فترات هذا الانحسار ورواسبه.
وزاد هتن نار الجدل اشتعالا بتعليله تغيرات الأرض وتقلباتها. وقد أصبح هذا الرجل الذي ولد بأدنبرة في ١٧٢٦، واحداً من ذلك الفريق الممتاز الذي ألف حركة التنوير الاسكتلندي-هيوم، وجون هوم، واللورد كيمس، وآدم سمت، وروبرتسن، وهتشسن، وماسكلين، ومكلورين، وجون بلايفير، وجوزف بلاك. تنقل من الطب إلى الكيمياء إلى الجيلوجيا، وما لبث أن تخلص إلى تاريخ كرتنا الأرضية استغرق أضعاف الآلاف الستة التي قال بها اللاهوتيون. ولاحظ أن الريح والمياه ينحران الجبال في بطئ ويرسبانها على السهول، وأن آلاف النهيرات تحمل إلى الأنهار، التي تحملها بعد ذلك إلى البحر، ولو استمرت هذه العملية إلى ما شاء الله لابتعلت المحيطات النهمة الثائرة قارات برمتها. ولعل جميع التكوينات الجيولوجيا نجمت عن هذه العمليات الطبيعية البطيئة كما نشهد اليوم في أي مزرعة تتعرى تربتها أو أي بحر يجور على اليابس، أو أي نهر قاعه في إصرار، تاركاً سجل مستوياته الهابطة على طبقات الصخور والتربة. وقد ذهب هتن إلى أن هذه التغيرات التدريجية هي الأسباب الأساسية لما يطرأ على أرضنا من تحول. وعنده أننا "في تفسيرنا للطبيعة، يجب ألا نستخدم قوي ليست من طبيعة الكرة الأرضية، وإلا نسلم بأي عمل إلا الأعمال التي نعرف مبدأها، وألا ندعى أي أحداث خارقة لنعلل بها ظاهرة شائعة"(٧٧).
ولكن إذا سلمنا بأن هذا التحات ظل آلاف الآلاف من السنين، فلم لا تزال هناك على ظهر الأرض؛ ويرد هتن بأن السبب هو أن