للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من جديد سبع عشرة مرة (إذا صدقناه) (٧٤). وسكب فيه كل قوة خياله حتى لقد بدا أنه يصف، عبر فجوة من ستين ألف عام، تصورات فكره وكأنها أحداث تنبسط أمام عينيه (١). وقد أشاد جريم بالكتاب لأنه "من أروع القصائد التي جرؤت الفلسفة على أن توحي بها" وقال كوفييه في حكمه عليه إنه "أذيع أعمال بوفون قاطبة، مكتوب بأسلوب رفيع حقاً" (٧٦).

وفي هذه الأثناء حاول نفر من الدارسين أكثر تواضعا أن يرسموا خرائط لتوزيع المعادن في التربة. وقد ظفر جان جتار بثناء أكاديمية باريس للعلوم على كتابه "مذكرة وخريطة في علم المعادن" (١٧٤٦) وبينما كان يبذل هذه المحاولة الأولى للقيام بمسح جيولوجي، اكتشف براكين خامدة في فرنسا، وعلل الرواسب المحيطة بها بأنها حمم متجمدة، والينابيع الحارة بأنها آخر مراحل هذه القوى البركانية. وحفز زلزال لشبونه جون متشل إلى إعداد "مقال في أسباب الزلازل وظواهرها" (١٧٦٠)، وقد ذهب إلى أنها راجعة إلى الالتحام الفجائي بين النار والماء الباطنيين، مما أحدث بخراً متمدداً، وقد وجد هذا البخر منفذاً خلال البراكين والفوهات، ولكن إذا تعذرت هذه المخارج أحدثت اهتزازات في سطح الأرض. وهذه الأمواج الأرضية يمكن في رأي متشل رسمها لإيجاد بؤرة الزلزال. وهكذا تمخض علم الجيولوجيا الذي كان حدثاً بعد عن علم الزلازل.

كذلك اصبح علم طبقات الأرض فرعاً متخصصاً. فقد حار الناس في أصل طبقات القشرة الأرضية وتركيبها وتعاقبها. وأتاحت مناجم الفحم مفتاحاً لهذه الدراسات؛ ومن ثم قدم جون ستراتشي للجمعية الملكية (١٧٠٩) "وصفاً غريباً للطبقات الأرضية لوحظ في مناجم فحم منديب بسمرستشير. " وفي ١٧٦٢ أصدر جيورج كرستيان فوشزل أول خريطة جيولوجية مفصلة، ووصف "التكوينات" التسعة في تربة تورنجيا، وأرسى مفهوم "التكوين" باعتباره تعاقباً لطبقات تمثل في مجموعها حقبة جيولوجية.


(١) عبر سانت-بوف عن هذا أروع تعبير: "قال الله لأيوب أين كنت حين أرسلت أساسات الأرض؟ " وكأني بمسيو ديوفون يقول لنا في غير انفعال "كنت هناك" (٧٥).