ولاحظ بوفون بجمع هذه الحقب معاً أن حاصلها ٥٨. ٠٠٠ سنة. ولعله كان يعجب لخيال الجيولوجيين الفائق في يومنا هذا، فهم يمدون عمر الأرض إلى أربعة بلايين سنة.
وقد أسس بوفون علم الأحافير (البليونتولوجي) بدراسته العظام المتحفزة واستنباطه الحقب المتعاقبة للحياة العضوية منها. ويتبين منظوره وأسلوبه من الأسطر الأولى التي استهل بها "حقب الطبيعة" إذ يقول:
"كما أننا في التاريخ المدني نرجع إلى ألقاب الناس، وندرس العملات والمداليات، ونفك رموز الكتابات القديمة، لنحدد عصور الثورات الإنسانية وتواريخ الأحداث في تاريخ المجتمع، فكذلك يجب علينا في التاريخ الطبيعي أن ننقب في محفوظات الدنيا، ونخرج من أحشاء الأرض الأثار القديمة، ونجمع بقاياها، ونحشد في مجموعة من الأدلة كل الإشارات على التغيرات الفيزيائية التي تتيح لنا الرجوع إلى مختلف عصور الطبيعة. وهذا سبيلنا الأوحد إلى تحديد بعض النقط في الفضاء الشاسع، ووضع عدد من الشواخص على الطريق الأبدي للزمن. وما أشبه الماضي بالمسافات فبصرنا به كان يتناقص بل يتلاشى لولا أن التاريخ والترتيب وضعا المعالم والمشاعل في أشد نقطه ظلاماً"(٧٢).
ثم لأنه لم يتوصل إلى علم الأحافير إلا في شيخوخته كتب يقول:
"إنني أترك أسفاً هذه الأشياء الخلابة، هذه الآثار الثمينة التي خلفتها لنا الطبيعة القديمة، والتي لا تمهلني شيخوختي لفحصها فحصاً يكفي لأن أستخلص منها النتائج التي أتصورها، والتي ينبغي ألا تجد لها مكاناً في الكتاب لأنها لا تقوم إلا على الافتراض، في حين أنني جريت فيه على سنة، هي ألا أعرض فيه غير الحقائق المبنية على الواقع. وسيأتي من بعدي آخرون (٧٣).
وكتابه "حقب الطبيعة" كان من أهم كتب القرن الثامن عشر. وقد أغدق عليه بوفون كل ما يملك من صنعة في الأسلوب، حتى أنه كتب بعض أجزائه