كتاب قصة الحضارة

الطب - ٢ - دهاء المرض - ج: 37 - ص: 269

أثر الأحياء الفقيرة المزدحمة في المدن النامية ارتفاع نسبة الوفيات في الأطفال، حتى بلغت أحياناً خمسين في المائة (١٢). وفي لندن كان ثمانية وخمسون في المائة من جميع الأطفال يموتون قبل أن يبلغوا الخامسة (١٣) وشاعت على نطاق واسع عادة ترك الأطفال حديثي الولادة. وفي السنوات الثمان بين عامي ١٧٧١ و ١٧٧٧ أدخل قرابة ٣٢,٠٠٠ طفل إلى المستشفى اللقطاء بباريس- بمعدل تسعة وثمانين يوميا، ومن هؤلاء الرضع مات ٢٥,٤٧٦ (أي ثمانون في المائة) قبل أن يتموا ربيعهم الأول. وأعان على زيارة وفيات الأطفال في القرن الثامن عشر انتشار الرضاعة الجافة- أي إحلال البزازة محل ثدي الأم أو المرضع وقد قدر السر هانز سلون نسبة الوفيات في الرضاعة الصناعية بثلاثة أضعاف نسبتها في أطفال الرضاعة الطبيعي. وراجت الطريقة الجديدة على الأخص بين طبقات الراقية في فرنسا، إلى ن أشاع كتاب روسو "أميل" (١٧٦٢) موضة الرضاعة من الثدي. واستمر الإجهاض ومنع الحمل. واستعمل القراب من القماش- الذي أوصى به فالبيو في ١٥٦٤ للوقاية من عدوى الأمراض التناسلية - في القرن الثامن عشر لمنع الحمل (١٤). وقد ورد في كتاب الدكتور جان استروك "في الأمراض التناسلية" (١٧٣٦) ذكر الزناة الذين "استعملوا حينا أكياس من نسيج رقيق من قطعة واحدة على شكل قراب. تسمى بالإنجليزية Condum (١٥) " وأصدرت امرأة تدعى المسز فلبس في ١٧٧٦ إعلانات يدوية في لندن أذاعت أن في حانوتها كمية وافرة من "أسباب الأمان التي تكفل صحة زبائنها" (١٦). ولكن الأمراض التناسلية اقتضت الضحايا من كل طبقة رغم هذه "الآلات" كما كانت تسمى … وقد كتب اللورد تشسترفلد إلى ولده محذرا منها "ففي الحب قد يضيع الرجل قلبه ويحتفظ بكرامته … أما إذا ضيع أنفه فإنه يضيع معه سمعته" (١٧).

ويصعب علينا-نحن الذين نعيش بعد جنر- أن نتصور أي لعنة ابتلى بها الجدري البشر قبل أن يهدي هذا الطبيب العالم الغربي إلى التطعيم ولقد حسب فولتير أن "من بين مائة شخص يولدون، يصاب ستون على الأقل بالجدري، ومن هؤلاء الستين يموت عشرون … وعشرون