للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مريم العذراء. بل أن الانحلال الخلقي في ذاك العصر تحول إلى اتهام للمسيحية، فكيف يتأتى، بعد سبعة عشر قرناً من سيطرة المسيحية، ألا تكون أخلاق أوربا أحسن حالاً من متوحشي أمريكا أو "الوثنيين في الصين؟ ".

وكانت كل طبقة، عدا الفلاحين، تضم أقلية متشككة، واستاءت البيروقراطية الحكومية من استقلال الكنيسة وإعفاءها من الضرائب. والرباط الوثيق القديم بين الكنيسة و"ساعدها" الدنيوي العلماني وهو الدولة" بدأت تنقصم عراه. وكان هناك مفكرون أحرار، مثل مالشرب في مصلحة الرقابة، وكان يحمي بكل قواه ديدرو ودائرة المعارف. وأوثق صلة بالملك كانت مدام دي بمبادور التي كانت تكره اليسوعيين، والتي اعتبرها فولتير (واحداً منا). ورأت الأرستقراطية في الكنيسة دعماً لمركز أسرة البوربون التي كانت قد أطاحت بحكم هذه الأرستقراطية، ومن ثم لم تكن هذه الطبقة تعارض إضعاف رجال الدين، بل لقد هلل كثير من النبلاء وسروا بامتهان فولتير وعدم توقيره للكنيسة والنيل منها، وأبدى أفراد الطبقة الوسطى العليا ارتياحهم ورضاهم عن المفكرين الذين كانوا يحاربون رجل الدين. لأن هذه الطبقة لم تغفر للكنيسة استنكار الفائدة (الربا) وإيثارها ملاك الأرض على رجال المال، فلو أن هؤلاء الأساقفة المتعجرفين أذيقوا المذلة والهوان لصعدت البرجوازية إلى مراقي الشهرة والقوة والسلطان ومن ثم فإن رجال المال، من أمثال بويلنيير وهلفشيوس ودي هولباخ فتحوا أبوابهم وخزائنهم، بل حتى في بعض الحالات قلوبهم، للحرب ضد الكنيسة. وكان المحامون منذ زمن غير قصير يحقدون على رجال الدين ويحسدونهم، وكم تطلعوا إلى اليوم الذي يحكمون فيه الدولة. كما كانوا بالفعل يحكمون البرلمانات. وذهب أحد تقارير الشرطة في ١٧٤٧ إلى أنه لا يكاد يوجد موظف في برلمان باريس لا يحتفظ بكتاب أو مخطوط مناف للدين في بيته (١٢). وعجت مقاهي باريس بالالحاد. وكان هجاء رجال الدين والسخرية منهم متعة ظرفاء المدن الذين أشاروا إلى الله بأنه "السيد وجود" وانتشرت المطبوعات المعادية لرجال الدين انتشاراً واسعاً حتى في الأقاليم، ووزع بعض الباعة المتجولين لقاء ربح وفير، ومن باب إلى باب، منشورات عنوانها "أشهر الدجالين