أقول لكم أن المادة تعمل من نفسها لنفسها … واتركوا لرجال اللاهوت علتهم الأولى وليس للطبيعة من حاجة بهذا لإحداث كل الآثار والنتائج التي تراها (٢٣) وإذا كان لزاماً أن تعبدوا أحداً، فاعبدوا الشمس، كما تفعل شعوب كثيرة، فإن الشمس هي الخالق الحقيقي لحياتنا وللصحة والضوء والدفء والبهجة والسرور. ولكن واحسرتاه! ويأسف مسلييه، لو أن الدين كان واضحاً لكان أقل جاذبية وفتنة لدى الجهال … إن هؤلاء بحاجة إلى الغموض والأسرار والخرافات والمعجزات والأشياء التي لا يمكن تصديقها (٢٤) … إن القساوسة والمشرعين، بابتداع الأديان واختلاف الأسرار … قد أرضوا أذواق الجهال، إنهم بهذه الطريقة يجتذبون المتحمسين والنساء والأميين (٢٥).
وصفوة القول، في رأى مسلييه، أن الدين كان جزءاً من مؤامرة بين الكنيسة والدولة لإرهاب الناس إلى إذعان مريح للحكم المطلق (٢٦). إن الكهنة "حرصوا كل الحرص على أن يجعلوا إلههم مرعباً متقلباً طاغية كثير النزوات والأهواء. وكان لزاماً يكون كذلك من أجلهم حتى يكون في خدمة مصالحهم المتنوعة"(٢٧) وتقع تبعة هذه المؤامرة على رؤوس رجال الدين أكثر منها على الملوك، لأنهم يسيطرون على الأمير منذ طفولته، عن طريق كاهن الاعتراف، ويلقنونه الخرافات، ويشوهون عقله ويعوقون نموه ويقودونه إلى التعصب الديني والاضطهاد الوحشي (٢٨) وبهذا:
زعزعت الخلافات الدينية أركان الإمبراطوريات وأدت إلى الثورات ودمرت الملوك وخربت أوربا بأسرها، ولم يكن من الميسور إخماد هذه النزعات الحقيرة حتى في أنهار من الدماء. إن الأنصار المتحمسين لدين يدعو إلى البر والإحسان والتآلف والسلام أثبتوا أنهم أشد ضراوة وقساوة من أكلة لحوم البشر أو المتوحشين، في كل مرة يستثيرهم فيها معلموهم إلى تحطيم اخوتهم، وليس ثمة جريمة لم يرتكبها الناس في سبيل إرضاء الرب أو تسكين سورة غضبه (٢٩) … أو إقرار خداع الدجالين لحساب كائن لا يوجد إلا في خيالهم وحدهم (٣٠).