إنهم يدافعون عن هذه المؤامرة الضخمة المستمرة بذاتها من جانب الكنيسة والدولة ضد الإنسان والعقل على أساس أن ديانة خارقة للطبيعة، بل قل ديانة إرهاب، أمر لا غنى عنه في مهمة بناء الفرد والأخلاق.
ولكن هل حقاً أن نظرية الجنة والنار تجعل الناس على جانب أكبر من الفضيلة، وهل الأمم التي يسودها هذا الزعم تشتهر بالسلوك الحميد والخلق القويم؟ (٣١) ويكفي لنتحرر من الوهم أن نفتح أعيننا على أخلاق أشد الناس تمسكاً بالدين ونفكر فيها ملياً، وسنرى طغاة متعجرفين، ورجال البلاط، ومغتصبين لا حصر لهم، وحكاماً لا ضمائر لهم، ودجالين وزانين وفاسقين وأباحيين فجرة، وعاهرات ولصوصاً، وأوغاداً من كل صنف، لم يشكوا لحظة في وجود إله محب للانتقام، أو لم يشكو في عذاب الجحيم أو الجنة النعيم (٣٢).
كلا، إن الأفكار اللاهوتية، على الرغم من اعتراف كل الناس تقريباً بها، فإن تأثيرات على سلوكهم ضعيف، فالإله بعيد كل البعد ولكن الإغراء قريب "من ذا الذي ترهبه وتخيفه فكرة الإله؟ نفر قليل من الضعاف البائسين المتبرمين بالحياة، وبعض أفراد انطفأت فيهم بذرة العواطف والشهوات بحكم السن أو العجز والوهن أو تعثر الحظ (٣٣). إن الدولة، لا الكنيسة، هي التي تخلق النظام وتعود المواطنين على طاعة القوانين" إن القيود والضوابط الاجتماعية أقوى من الدين في تقويم سلوك الناس (٣٤) وأحسن العلاقات، مع تعاقب الأيام، هي تلك التي تؤسس على العقل والذكاء.
ولكي يتبين الناس مبادئ الأخلاق القويمة فإنهم ليسوا بحاجة إلى اللاهوت أو الوحي أو الآلهة. إنهم ليسوا بحاجة إلا إلى الفطرة السليمة وحسن الإدراك، إنهم ينبغي عليهم أن يتفكروا في أنفسهم ويتأملوا طبيعتهم. ويتدبروا مصالحهم الواضحة، ويأخذوا بعين الاعتبار هدف المجتمع وهدف كل عضو فيه، ومن ثم يدركون بسهولة أن الفضيلة نعمة وأن الرذيلة نقمة على رفاقهم من الكائنات. والناس أشقياء لمجرد أنهم جهلة، وهم جهلة لأن كل شئ يتآمر على