الحيلولة بينهم وبين الاستنارة. وهم أشرار لمجرد أن عقلهم لم ينم ولم يتطور بعد بدرجة كافية (٣٥).
ويستطيع الفلاسفة أن يبنوا أخلاقاً طبيعية فعالة، لو لم يكرهوا على معتقد تقليدي زائف خشية الكهنة الأقوياء المتسلطين:
إن اللاهوت منذ أقدم العصور هو الذي حدد مسار الفلسفة وبم ساعدها اللاهوت؟ إنه حولها إلى رطانة غير مفهومة … ذات ألفاظ لا معنى لها، أكثر ملاءمة للتعمية منها للتنوير … كيف أضطر ديكارت وماليرانش وليبنتز وكثيرون غيرهم لإبتداع فرضيات ومراوغات ليوقفوا بين كشوفهم وبين الأفكار الخيالية والأخطاء الفاضحة التي أضفى عليها الدين صفة القداسة وأية احتياطات لم يلجأ إليها أعظم الفلاسفة لحماية أنفسهم. حتى إلى حد المغامرة بوصفهم بالطيش والحمق، وبأن كلامهم غير مفهوم إذا تعارضت أفكارهم مع مبادئ اللاهوت! وكان القساوسة اليقظون على أتم استعداد لهدم المبادئ والآراء التي يتعذر التوفيق بينها وبين مصالحهم. وكل ما استطاع الأفراد المستنيرون أن يفعلوه هو أن يتحدثوا ويكتبوا في معان خبيئة وغالباً مطاوعة موصومة بالجبن، حتى يوفقوا بين الباطل والحق توفيقاً مخزياً. كيف أمكن أن يدعى الفلاسفة والحديثون، تحت التهديد بأقسى الاضطهاد والتعذيب، إلى نبذ العقل والخضوع للعقيدة -أي لسيادة رجال الدين وسيطرتهم- وكيف يتأتى لأناس مكبلين بمثل هذه القيود والأغلال أن يطلقوا العنان لعبقريتهم ومواهبهم … أو يعجلوا بتقدم الإنسانية (٣٦)؟
وكان لدى بعض الفلاسفة من الشجاعة ما استطاعوا معه أن يتقبلوا الخبرة والعقل هادياً ومرشداً لهم، ويحطموا أغلال الخرافة -لوسيبوس وديموقريطس وإبيقور وسترابو- ولكن مناهجهم كانت بسيطة معقولة مجردة من الأعاجيب والمعجزات من أجل عشاق الخيال حتى اضطرت إلى الاستسلام لاحداس أفلاطون وسقراط وزينون الخرافية. ومن بين الفلاسفة الحديثين أتبع هويز وسبينوزا وبيلا وغيرهم نهج أبيقور (٣٧).
ورثى مسلييه لما منيت به البشرية من خسارة نتيجة لسيطرة اللاهوت