على الفلسفة. ودافع عن حرية الفكر حقاً أساسياً، يمكنه وحده أن يحقق للناس معنى الإنسانية وعظمة النفس (٣٨).
إنهم باظهارهم الحقيقة وحدها يمكنهم أن يدركوا أفضل مصالحهم، والعوامل الحقيقية التي تؤدي بهم إلى السعادة. لقد طال العهد بمعلمي الناس وهم يركزون أبصارهم على السماء، فليرجعوا بأبصارهم ثانية إلى الأرض. لقد تعب الذهن البشري من اللاهوت المبهم والخرافات السخيفة، والأسرار العويصة والطقوس الصبيانية. فلينشغل هذا الذهن البشري بعد هذا الإرهاق بالأشياء الطبيعية والأهداف والأشياء الواضحة والحقائق المعقولة والمعرفة النافعة (٣٩).
فليطلقوا حرية الكلام والفكر والصحافة والطباعة وليكن التعليم علمانيا غير مقيد. إذن لأسرع الناس الخطى يوماً بعد يوم إلى اليوتوبيا (المثالية). إن النظام الاجتماعي الراهن جائر، أنه يهيء لأقلية ضئيلة الثراء الخامل وينشر فيها الفساد نتيجة للترف وللبذخ، على حساب الإبقاء على الملايين في فقر مذل وجهل مخز. ونظام الملكية هو أس البلاء، فالتملك لصوصية، وقد كيفوا التعليم والدين والقانون لحماية هذه اللصوصية وإجازتها (٤٠) وإن ثورة للقضاء على مؤامرة الأقلية ضد الأغلبية لها ما يبررها كل التبرير. وصاح مسلييه في غضبته الأخيرة "أين جاك كليمنت (قاتل هنري الثالث) ورافاياك (قاتل هنري الرابع) في فرنسا؟ هل بقي على قيد الحياة في أيامنا هذه رجال يطيحون برؤوس هؤلاء الجبابرة البشعين المنحرفين أعداء الجنس البشري، وبهذا يخلصون الناس من الطغيان (٤١)؟ فلنوزع الأمة الملكية توزيعاً عادلاً، وليشتغل كل إنسان بعمل مناسب، وليكن الإنتاج قسمة متساوية بينهم، وليتزوج الرجال والنساء وليفترقوا متى شاءوا، ولينشأ أطفالهم معاً في مدارس مشتركة، وعندئذ تكون ثمة نهاية للنزاع في الأسرة ونهاية لحرب الطبقات وللفقر. وهنا تكون المسيحية في النهاية حقيقية صادقة (٤٢).
وبعد أن ذكر جان مسلييه كل ما أسلفنا، ختم إنجيله أو عهده الجديد بعبارة يتحدى فيها، كما أدرك هو، كل الذين يمقتونه ويصبون عليه اللعنات: