مواخير أكثر منها كنائس. فخلع غفارته وتخلى عن ورعه وتقواه، وأنصرف إلى التدريب عند أحد المحامين. وسرعان ما نبذ القانون، وقضى عشرة سنين يتنقل من مهنة إلى مهنة. وعانى آلام الفقر في حجرة فوق السطح، ونفذ صبر والده فمنع عنه النفقة، ولكن والدته كانت تمده ببعض المعونة خفية. وأقترض دنيس بعض النقود، وكان أحياناً يسدد ما أقترض. وأعطى دروساً خاصة في الرياضيات، ودبج العظات للقساوسة، وأشتغل كاتباً عند بائع كتب، وفي نفس الوقت تابع دراسته في الرياضيات واللاتينية واليونانية والإنجليزية، وألم الماماً جيداً بالإيطالية. وكان متمرداً على القانون ولكنه كان تواقاً شديد التوق إلى المعرفة والحياة. لم يتعلم النظام والانضباط قط، ولكنه تقريباً تعلم كل ما عدا ذلك.
وكان مفلساً خالي الوفاض، ولكنه ممتلئ حيوية وقوة، ووقع في شرك الغرام وأعتزم الزواج. وكانت أنطوانيت شامبيون تكبره بثلاث سنين وثمانية أشهر، ولكنها كانت سيدة. وعنفته على شبابه المفاجىء، ولكنه أكد لها أن هذه مقدمة لحياة زوجية أمينة، وأنه سيكون رفيق حياتها المخلص الأمين إلى الأبد. "أن خطابات غرامي الأخيرة موجهة لك، ولتعاقبني السماء باعتباري أشر الناس وأشدهم خيانة وغدراً إذا سطرت كتاب غرام إلى أحد غيرك"(٣). ونقضت أرق خطاباته هذا العهد. واستسلمت والدة أنطوانيت لدموع أبنتها ولفصاحة الخطيب ولسانه الذرب، ووافقت على الزواج شريطة الحصول على موافقة أبيه. وجمع ديدرو ما يكفي من المال لسداد نفقات العربة إلى لانجرز على بعد ١٨٠ ميلاً.
ووصل إلى لانجرز، وهناك تأثر والده بتجارب طبع وصلت إلى أبنه لترجمته لتاريخ اليونان عن الإنجليزية. وعرض الوالد أن يقدم العون لأبنه في أي عمل. وكان على دنيس أن يختار، ولا بد أن يقع اختياره على شيء ما. فأعلن الشاب عن تلهفه على الزواج فعنفه أبوه بقسوة على أنه شاب عاق كسول سيء التدبير. ورد الابن رداً وقحاً، وأقسم أن يتزوج سواء وافق أبوه أم لم يوافق، ودون أي عون مادي منه. وسجنه أبوه في دير محلي،