للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالليل في إعادة كل شيء إلى مكانه بعد فساد النظام أثناء النهار. وكانت حواسه الباقية أحد وأقوى من حواس الناس العاديين "وهناك بالنسبة له فروق بسيطة لا تكاد تذكر من نعومة الأجسام، وهي فروق لا تقل دقة عن الفروق بين أصداء الأصوات، ولا خوف من أن يحسب خطأ أن سيدة أخرى هي زوجته، إلا إذا كان في المبادلة كسباً له (١١) ولم يكن يدرك كيف يعرف الإنسان الوجه دون أن يلمسه. وانحصرت روح الجمال عنده في الأشياء الملموسة وفي رخامة الصوت والمنفعة ولا يجد عاراً في العرى لأنه يجد أن في الثياب حماية من الجو لا اخفاء الجسم عن أعين الآخرين. وأعتبر السرقة جريمة كبرى لأنه يقف حيالها عاجزاً لا حول له ولا قوة.

وخلص ديدرو إلى أن أفكارنا عن الصواب والخطأ ليست مستمدة من الله، بل من خبرتنا الحسية. بل وحتى فكرتنا عن الله يجب تعليمها، وهي أيضاً مثل فكرتنا عن الأخلاق، نسبية متنوعة. ووجود الله مشكوك فيه لأن البرهان من أصل الوجود فقد كثيراً من قوته. حقاً هناك شواهد وبراهين على التصميم والتركيب في كثير من الكائنات والأعضاء مثلما هو في الذبابة والعين، ولكن ليس ثمة شواهد على التصميم في الكون باعتباره كلا، لأن بعض الأجزاء عوائق - إن لم تكن أعداء فتاكة- لأجزاء أخرى، وكل تركيب تقريباً محكوم عليه أن يلتهمه تركيب عضوي آخر وتبدو العين مثالاً رائعاً لتطابق الوسائل مع الغايات، ولكن فيها عيوب وشوائب جسيمة (كما يوضح هلمهولتز هذا تفصيلا فيما بعد) وثمة عفوية أو تلقائية خلاقة في الطبيعة، ولكنها نصف عمياء. وتؤدي إلى كثير من الخلل والاضطراب والتبديد والضياع. ورغم ديدرو أنه أقتبس من كتاب "حياة دكتور نيقولا سوندرسون وخلقه لمؤلفه وليم أنشليف (وواضح أنه لم يوجد قط)، فأجرى على لسان الأستاذ الأعمى قوله "لماذا تحدثني عن هذا المشهد الجميل الذي لم يصنع من أجلي قط؟ … إذا أردت مني أن أومن بالله فينبغي أن تجعلني ألمسه (١٢) وفي سيرة الحياة الوهمية هذه رفض