سوندرسن الإيمان بالله (١) وعزا نظام الكون إلى انتقاء طبيعي للأعضاء والتركيبات العضوية عن طريق بقاء الأصلح.
كل تركيبات معيبة ناقصة من المادة اختفت. ولم يبق منها إلا ما انطوى تركيبه على تعارض غير ذي أهمية، والتي يمكن أن تستمر وتبقى بوسائلها ولكن النتاجات الضخمة الغريبة تظهر من حين إلى حين … ما هو العالم؟ إنه مركب خاضع لثورات تشير كل منها إلى نزعة ملحة إلى التدمير، تسلسل سريع للكائنات يعقب بعضها بعضاَ. ويدفع بعضها بعضاً ثم تختفي (١٣) ويختتم ديدرو بمذهب اللا أدرية: "واحسرتاه يا سيدتي، إننا إذ نضع المعرفة الإنسانية في ميزان مونتاني فلن نبعد عن شعاره، لماذا نكتسب المعرفة؟ إننا لا نعرف شيئاً عن طبيعة المادة، وعن طبيعة الذهن والفكر، لا نعرف إلا أقل من ذلك. بل لا نعرف شيئاً إطلاقاً (١٤).
وجملة القول إن رسالة العميان من أعظم وأروع ما كتب في عصر الاستنارة في فرنسا. إنه كتاب جميل ساحر من حيث السرد والقصص، كما أنه يتميز بدقة الملاحظة والتبصر البارع العطوف بوصفه بحثاً في علم النفس، كما يتميز بخيال مثير بوصفه بحثاً في الفلسفة، وهو مرهق قرب انتهاء صفحاته الستين ولكنه يضم بعض ما يجافي الحشمة مما لا يكاد يليق برسالة مفروض إنها موجهة إلى سيدة، ولكن ربما كانت مدام دي بويسييه متعودة على خلط ديدرو بين بذاءة السوقة وسعة الإطلاع والمعرفة. وشمل البحث، لحسن الحظ، اقتراحاً مفصلاً لما عرف فيما بعد باسم طريقة لويس بريل (١٥).
وأرسل فولتير الذي كان آنذاك في باريس (١٧٤٩) إلى ديدرو وتقريظاً حماسياً للبحث، قال فيه: "قرأت في سرور بالغ كتابك الذي يذكر الشيء الكثير ويوحي بشيء أكثر. وكنت منذ أمد أقدرك أعظم التقدير، بقدر ما أحتقر أولئك الأغبياء الذين ينقصون من قدر ما لا يفهمون …
(١) مات سوندرسن، طبقاً لما رواه أصدقاءه، متمسكاً بدينه. واستاءت الجمعية بلندن من نسبة ديدرو الإلحاد إلى أحد أعضائها، ولم تسمح له قط بالانضمام إليها عضواً مراسلاً.