للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبرز ما في المجلد الأول وأجدره بالذكر هو "مقال تمهيدي" ووقع الاختيار على دالمبير لكتابته لأنه كان معروفاً بأنه من رجال العلم المرموقين وبأنه كذلك من البارعين الأفذاذ في النثر الفرنسي، وعلى الرغم من هذه المزايا كان دالمبير يحيا حياة رواقية بائسة فقيرة في باريس. وحين وصف فولتير المشهد الرائع من لي دليس أجاب دالمبير: "أنت تكتب إلى من مخدعك حيث تشرف على عشرة فراسخ من البحيرات وأنا أرد عليك من جحري الذي لا يشهد إلا رقعة من السماء لا تتجاوز ثلاث أذرع" (٢٥). وكان لا أدرياً، ولكنه لم ينضم إلى نقد علني للكنيسة. وفي -مقالة التمهيدي حاول أن يفحص حجج معارضي الكنيسة:

"إن طبيعة الإنسان سر لا يمكن سبر أغواره إذا استنار الإنسان بالعقل وحده. ويمكن أن نقول مثل هذا عن وجودنا في الحاضر والمستقبل، وعن جوهر "الكائن" الذي ندين له بهذا الوجود، وعن نوع العبادة التي يتطلبها منا. ومن ثم فإننا أحوج ما نكون إلى ديانة منزلة تهدينا سواء السبيل في مختلف الموضوعات" (٢٦).

وأعتذر لفولتير عن هذه الاحترامات: "أن مثل هذه العبارات هي أسلوب توثيقي، وما هي إلا طريق وصول أو جواز مرور إلى الحقائق التي ننشد تدعيمها … أن الزمن سيعلم الناس كيف يميزون بين ما فكرنا فيه وما قلناه (٢٧).

ونهج المقال التمهيدي نهج اقتراح لفرانسيس بيكون، فصنفت المعارف وفق الموهبة العقلية التي تنتج عنها: فوضع التاريخ تحت بند "الذاكرة" والعلوم في باب "الفلسفة" واللاهوت تحت بند "العقل" والأدب والفن في باب "الخيال" وكان ديدرو ودالمبير فخورين كل الفخر بهذا التقسيم وجعلا منه ورقة مطوية وضعاها بعد المقال أو خريطة للمعرفة أثارت أشد الإعجاب. وكان أقوى أثر في الموسوعة بعد أثر بيكون هو أثر لوك. "أننا مدينون للأحاسيس بكل أفكارنا". هذا هو ما جاء في المقال. ومن