لمراسم والطقوس والشعائر والأسرار التي يمكن أن تبعث فظاعتها في نفوس الناس الاكتئاب الرهيب الملائم كل الملائمة لدنيا التعصب. ثم تدفق الدم البشري الغزير فوق المذابح. وظن الناس، وقد ملأهم الخوف بالجبن وأعمتهم الخرافة، أنه لن يكون أي ثمن يدفعونه غالياً في سبيل الحظوة برضا الأرباب. وأسلمت الأمهات أطفالهن الصغار دون أن يذرفن دمعة واحدة، إلى النيران الملتهبة، وسقط آلاف الضحايا تحت سكين القربان المقدس … وكان من الميسور على الرجال الذين كانوا موضع الإجلال والاحترام إلى هذا الحد، أن يبقوا طويلاً داخل حدود الخضوع الضروري للنظام الاجتماعي. فإن الكهنة الذين أسكرتهم السلطة كثيراً ما نازعوا الملوك حقوقهم. وأمسك التعصب والخرافة بالسيف مسلطاً على رؤوس الملوك واهتزت العروش حين رغب الملوك في كبح جماح أو معاقبة الرجال المقدسين الذين كانت مصالحهم متشابكة مع مصالح الآلهة … كان الحد من سلطانهم يعني تقويض أركان الديانة" (٥٤).
وبصفة عامة اتخذت الحرب ضد العقيدة القديمة شكل الثناء على المعتقدات الجديدة في العلوم والفلسفة ومناهجهما. وكان الفلاسفة يحلمون بإحلال العلوم محل الدين والفلاسفة محل الكهنة على الأقل بين الطبقات المتعلمة، وحظيت العلوم بتفسيرات وشروح مسهبة، مثال ذلك أن ستة وخمسين عموداً خصصت "للتشريح"، وتحت بند "الجيولوجيا" كتبت مقالات مطولة عن المياه المعدنية والمعادن والطبقات وأنهار الجليد والاحافير والمناجم والزلازل والبراكين والأحجار الكريمة. وكان لزاماً أن توضع الفلسفة في النظرة الجديدة إليها على أساس من العلوم تماماً. وينبغي ألا تبنى "نظماً" ويجب أن تتجنب الميتافيزيقا ويجب ألا تتحدث بلغة الأساقفة عن منشأ العالم ومصيره، وشنت مقالة "المدرسة" هجوماً مباشراً على الفلاسفة السكولاسيين (المدرسيين) على اعتبار أنهم تخلوا عن البحث عن المعرفة، واستسلموا للاهوت. وضيعوا أنفسهم، وهم آمنون في المنطق الواهي مثل خيوط العنكبوت، وسط غيوم الميتافيزيقا.
ودبج ديدرو سلسلة من المقالات الممتازة في تاريخ الفلسفة، استندت