للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نصف عمياء ونصف ذكية، تؤثر في المادة وتبعث فيها الحياة، وتهيئ للحياة مليون شكل تجريبي، وتدخل التحسين على هذا العضو. وتنبذ ذاك العضو، تحي وتميت بشكل مبدع. وفي هذا المعمل الكوني ظهرت وأختفت آلاف الأنواع.

(أنه مثل ما هو حادث في مملكتي الحيوان والنبات، ينشأ فرد وينمو ويبقى ثم يهلك ويزول، فهلا يمكن أن تكون كل الأنواع على هذا المنوال؟ إذا لم تعلمنا العقيدة أن الحيوانات تأتي عن يدي الخالق كما نراها، وإذا كان هناك أدنى شك في بدايتها ونهايتها، فهلا يفترض الفيلسوف المستسلم لخواطره أن الحيوانية أخذت عن كل الأبدية كل العناصر الخاصة بها، ثم تبعثرت وأختلط بكتلة المادة، وحدث أن هذه العناصر أتحدت كلما أمكن حدوث هذا الأتحاد، وأن الجنين الذي تكون من هذه العناصر مر بتنظيمات وتطورات لا حد لها، أنه أكتسب على التوالي حركة وأفكاراً وتفكيراً وتأملاً ووعياً مشاعر وأنفعالات ورموزاً وإيماءات وأصواتاً واضحة ولغة وقانوناً وعلوماً وفنوناً، وأن ملايين من السنين أنقضت بين هذه التطورات، وأنه قد لا يزال أمام هذا الكانن تطورات أخرى يمر بها وأضافات أخرى يتلقاها، غير معروفة لنا الآن … وأنه قد يفقد هذه لمواهب والقدرات كما أكتسبها، وأنه قد يختفي إلى الأبد من الطبيعة، لا بل أنه قد يبقى على قيد الحياة في شكل آخر بمواهب وقدرات مختلفة كل الأختلاف عما نراه فيه في هذه اللحظة من الزمان؟ (٦)

إن الطبيعة عند ديدرو هي كل شيء وهي إلهه. ولكننا لا نعرف عن جوهرها إلا وفرتها المضطربة والتغير الدائب الذي لا يهدأ فيها. والطبيعة هي المادة الحية. ولكن المادة تحتوي في نفسها على أندفاع الحياة وعلى إمكانية التفكير. وليس الإنسان آلة كما أنه ليس روحاً غير مادية، والجسم والنفس كائن واحد ويفنيان معاً (إن كل شيء يدمر نفسه ثم يهلك