للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي "نزهة المتشكك" (١٧٤٧) كان ديدرو قد أعترف بخدمات الكنيسة في تقويم السلوك وتهذيب الأخلاق ولكنه بعد ذلك رأى أن المسيحية، على حين تنهي عن الجرائم البسيطة، تبعث على إقتراف الجرائم الكبيرة، "سياتي، آن عاجلاً أو آجلاً، الوقت الذي نرى فيه أن نفس العقيدة التي حالت بين الإنسان وبين سرقة شلن واحد، تكون سبباً في قتل ١٠٠ ألف شخص. تعويض رائع (٢٦)! ومهما يكن من أمر، فإن لأفكارنا الدينية أقل الأثر في أخلاقنا (٢٧)، والناس يرهبون القوانين الحالية أكثر مما يخشون نار جهنم الآجلة والإله الذي لا يرونه. أن القسيس نفسه قلما يعتمد على الدعاء والصلاة للآلهة، اللهم إلا إذا كان المرء لا يعنيه إلا قليلاً (٢٨). وفي ١٧٧٣ تنبأ ديدرو بأن الإيمان بالله والخضوع للملوك لن يعود لهما وجود في بحر سنوات قلائل في كل مكان (٢٩) ويبدو أن النبوءة تحققت في فرنسا في ١٧٩٢. ولكن ديدرو تنبأ أيضاً "بأن الإيمان بوجود الله سيبقى" (٣٠).

ومثل معظم الذين فقدوا إيمانهم بالمذهب الكاثوليكي، فإن نفس ديدرو الذي ذهب إلى أن المراسم والطقوس الكاثوليكية كئيبة حزينة، ظل حساساً لجمال ووقار الشعائر الكاثوليكية، ودافع عنها ضد النقاد البروتستانت في صالونه ١٧٦٥، فهو يقول: "أن هؤلاء المتشددين الحمقى لا يدركون مدى تأثير الطقوس المظهرية على الناس. أنهم لم يشهدوا قط توقير الصليب في يوم الجمعة الحزينة، وحماسة الجماهير في موكب عيد القربان، وهي حماسة كانت في بعض الأحيان تجرفني أنا نفسي. أني لم أر قط هذا الصف الطويل من القساوسة في ملابسهم الكهنوتية، ومساعديهم الصغار في ثيابهم البيضاء ينثرون الزهور أمام القربان المقدس، ولم أر هذه الجماهير الحاشدة التي تسبقهم وتعقبهم في صمت ديني رهيب، كما أن كثيراً من الناس ينبطحون على الأرض. ولم أسمع قط هذه التراتيل الوقورة التي ينشدها الكهنة وترددها في حب وإخلاص الجموع الخفيرة من الرجال والنساء والأطفال، إلا أهتز قلبي من الأعماق، وذرفت عيناي الدموع" (٣١).