الصناعي الأخلاق. وفي كلتا الحالتين يعامل العملاق بقسوة ويضيق عليه الخناق ويعذب، ويسام الخسف .. إنه دائماً تعس منكوب" (٥١).
وكان ديدرو بطبيعة الحال لا يعرف إلا القليل عن أهل تاهيتي، وكان بوجينفيل قد وصفهم بأنهم متمسكون بالخرافات والمحرمات، يرهبون أرواحاً شريرة خيالية، يستسلمون للكهنة، ناهيك بالعديد من أنواع الحشرات والأمراض. إن ديدرو الذي كان يضيق ذرعاً بالزواج بواحدة، لم يكن في حاجة إلى أن يدرك لماذا وضعت ضرورات النظام الاجتماعي مثل هذه القيود الكثيرة على الغرائز الجنسية غير المشروعة لدى الجنس البشري، وكان نموذجاً آخر للفكر الفردي الذي يتصور نفسه أحكم وأعقل من عادات البشر وأعرافهم.
وثمة تناقض طريف بين الفلسفة الأخلاقية عند ديدرو الكاتب وديدرو الإنسان من الناحية النظرية، وفي بعض الأحيان أشرفت آرائه الأخلاقية على الفوضوية، ففي تلك الأوقات وصف الطبيعة البشرية بأنها خيرة في أساسها، وبناء على هذا الفرض أقترح "إن نتبع الطبيعة أي الغريزة، وأحس ديدرو أنه عن طريق الغرائز وحدها يمكن للإنسان أن يحرر نفسه من القيود التي يفرضها الدين والمجتمع بآلاف التقاليد والمحظورات والقوانين. وفي هذا المزاج وصف الأتصال الجنسي بأنه "أعلى مراتب السعادة"(٥٢)، وعرف الجب بأنه "أحتكاك شهواني بين غشائين" و"فقدان شهواني لبضع قطرات من السائل"(٥٣) وأكد لخليلته أن الزنى "خطأ يستحق لوماً أو توبيخاً أقل مما تستحق أتفه كذبة (٥٤). وكان ديدرو فيلسوفاً يتوق إلى أن يحيا حياة الديك الذي يختال عجباً بين الدجاجات.
ولما عركه الدهر وزادت خبرته بالحياة نقض كل آرائه الأخلاقية. ونذ أنحرف عن روسو إلى فولتير، فإنه نظر إلى الإنسان نظرة تزداد كآبة وقتاً ما، على أنه شرير سئ بالطبيعة. أو بسبب تدهور النظام الأجتماعي على حد سواء. "وليس ثمة شيء يوضح أن الطبيعة البشرية كريهة بغيضة؛