الأول، فلا بد أن يهن ما أشتد من قوته أو يصبح جامداً كالصخر في العرض الثالث، أملأ المسرح بأناس يذرفون الدموع، ولكني لا أسمح لأحد منهم بأن يكون على خشبته (ممثلاً)(٨٩). وتلك نصيحة قلما إتبعها ممثلو مسرحيات ديدرو. وكان ثمة تناقض في ديدرو نفسه، ذلك أنه في ١٧٥٧ كتب يقول إن الشعراء والممثلين يحسون بقوة ولكنهم لا يعكسون إلا القليل من أحاسيسهم (٩٠) ولكنه الآن يناقض نفسه، وربما كان هذا راجعاً إلى أنه شاهد في باريس فيما بين عامي ١٧٦٣ slash١٧٧٠ دافيد جوك Gorrick يثير إنفعالات وأحسيس متباينة في تعاقب سريع، متى أراد. أو أنه كان قد وجد المفارقة في هملت وهو يأمر الممثلين السنيور:"وسط السيل والعاصفة (كما يمكن أن أقول) ودوامة النفعال تذرعوا بشيء من الأعتدال الذي يضفي عليها شيئاً من الهدوء والرفق"(٩١) ورفض سير هنري أرفنج تحليل ديدرو ولكن ناقداً حديثاً يعتقد أنه "ظل حتى اليوم أهم محاولة لمعالجة مشكلة التمثيل"(٩٢). ويمكن أن يكون الممثلون عاطفين في الحياة ولا يجوز أن يكونوا كذالك على خشبة المسرح. (وربما يؤدي ضبط النفس على المسرح إلى الأنطلاق والتحرر في الحياة، ومن ثم يجب أن يغتفر لهم خطايا كثيرة). وينبغي عليهم أن يدرسوا الأحساس المعين في أسبابه وعلله، ويعبروا عنه بأيماءاتهم وأشاراتهم وكلامهم. ولكن يجب "أن يتذكروا في هدوء وسكون"(٩٣). وتوصل ديدرو إلى إيضاح الفرق في رسالة إلى الآنسة جودان:"أن الممثل الذي لا يتحلى إلا بحسن التقدير والتمييز فاتر بارد، أما هذا الذي يتميز بالحيوية والحساسية فهو مجنون"(٩٤).
إننا إذا ألقينا بنظرة إلى الوراء في العرض غير المرتب الذي أوردناه لذهن ديدرو المشوش نغفر له إضطرابه وسط هذا العدد الوفير من الأفكار والآراء ومجالات إهتمامه. ولم يكن شيء من الإنسانيات غريباً عليه أو بعيداً عنه، اللهم إلا الدين، بل إنه حتى بالنسبة لهذا، فإن ديدرو لم يخل من الشعور الديني. وكان من خصائص ديدرو أن يبدأ بالرياضيات والفيزياء