شاكراً لها حسن أصغائها إليه، مولعاً بعقلها وقلبها. وكتب يوماً إلى جريم يقول "آه يا عزيزتي جريم، أية سيدة هذه! كم هي لطيفة جميلة أمينة رقيقة حساسة. ولسنا نعرف أكثر مما تأتي به هي من عادات وأخلاقيات ومشاعر فيما لا يحصى من الأشياء العامة. أن لها حكمها على الأشياء، ووجهات نظرها وأراؤها وأفكارها وطريقة تفكيرها الخاصة بها، كل أولئك قائم على العقل والحق وحسن الأدراك. ولا يثنيها عن شيء من ذلك الرأي العام أو السلطات أو أي شيء آخر"(١٠٤) ولا يمكن أن يكون كل هذا هياماً وغراماً، أما جوهر الموضوع فإن دكتور ترونشين رأى فيها روح نسر تسكن بيتاً من السحاب (١٠٥) أي أنها أحبت الثياب الفاخرة والتحليق في سماء الفكر والعقل.
وكتب إليها ديدرو طيلة عشرين عاماً أرق رسائله التي ستظل من ذخائر القرن الثامن عشر الأدبية. وقد أستطاع أنيكتب إليها في كل شيء بصراحة ويرسل إليها قصصه الداعرة وآخر تأملاته وأفكاره. فكتب لها كما لو كان يحدث إليها "إذا كنت بجوارك وذراعي يطوق ظهر مقعدك"(١٠٦). وفي علاقته بها تحقق مما لم يتحقق من مثله قط من قبل: تحقق من الدور الذي يمكن أن يلعبه الوجدان والعاطفة في الحياة. وكاد أن يكون من العسير عليه إلا أن يؤمن بالجبرية (القضاء والقدر) وبدا بعيداً عن التصديق أن تبادلهما المزدوج للأخلاص والحب والأفكار نتيجة فيزيوكيميائية لسديم بدائي. وأستطاع وهو في مثل هذه الحالة النفسية أحياناً أن يتحدث حتى عن الله. وإنه ليروي لصوفيا كيف أنه بينما كان يسير في الريف يوماً مع جريم التقط سنبلة من القح وأستغرق في التفكير في سر فسأله جريم "ماذا تفعل"؟ فأجاب "استمع""ولكن من الذي يكلمك؟ " فرد عليه "الله"(١٠٧).
وبعد أثنى عشرة سنة من أتصاله بصوفيا فوللان فترحبه لها. وأصبحت رسائله إليها موجزة، كما أصبح توكيد الإخلاص أكثر تكلفاً. وفي ١٧٦٩ وهو في السابعة والخمسين، خلف صديقه المتوفي داميلا عشيقاً لمدام دي مو، وكانت في الرابعة والخمسين، وبعد عام واحد أزاح ديدرو عن مكانه عاشق شاب، على أن دنيس (أي ديدرو) ظل في الوقت نفسه يؤكد لصوفي حبه الأبدي.