وربما كانت أسعد ساعات ديدرو (عدا الوقت الذي كان يقضيه مع أبنته أنجليك) هي تلك التي كان يقف فيها خطيباً في أمسيات دي هولباخ أو مدام جيوقرين للعشاء، وينطلق في الحديث بفصاحة في أي موضوع وهو لا يكون في أفضل حالاته في الأجتماعات التي يغلب عليها الأدب والتهذيب والتي يكون فيها الظرف هو المطلوب لا الأفكار. وكم أنزعجت مدام جيوفرين نفسها من تحمساته، وكانت نصائحها له بالأعتدال والتزام آداب اللياقة قدر شطحاته هو، ولكن على مائدة البارون التي أجتمع إليها كما أكدوا لهيوم، سبعة عشر ملحداً أطلق ديدرو لنفسه العنان ومن ثم (كما أجمع كلهم تقريباً) لا يكون في أحاديث باريس الممتعة ما هو أكثر أمتناعاً وسحراً من حديث ديدرو ويقول مارمونتل "إن الذي عرف ديدرو من كتاباته وحدها لا يعرفه إطلاقاً … لقد نعمت منه بمتعة فكرية أعظم (١١٤) أما هنري مستر الذي كثيراً ما نسمعه فإنه يصفه في مقارنة ملائمة "إني عندما أسترجع ديدرو في ذاكرتي وأرى شدة تنوع أفكاره وغزارة علمه المذهلة وتحليقه وشطحاته السريعة وحرارته وأضطراب خياله المتهور وكل ما في حديثه من فتنة سحر وتشويش، أتجاسر فأشبه شخصية بالطبيعة نفسها تماماً، كما تعود أن يتصورها، غنية خصبة تكثر فيها الجراثيم من كل جنس، وديعة عنيفة بسيطة فخكة، قيمة مهيبة ولكن على غير مبدأ أو قاعدة، ودون سيد ذي سلطان ودون إله (١١٥).
وأستمع إلى تقرير مباشر عن حديث ديدرو عن نفسه "بدأ أنى شاذ غريب عليهم، ملهم سماوي. إن جريم نفسه لم يتهيأ له من البصر ما يراني به ولا من السمع ما يستمع إلي به، ودهشوا جميعاً وأحسست أنا نفسي بين جنبي بشيء من الرضا لا أستطيع التعبير عنه، إنه كان أشبه بنار تضطرم في أعماقي تلفح صدري، أنتشرت بينهم وألهبتهم. كانت أمسية من الحماسة كنت أنا مضرمها"(١١٦).
وكانت شهرته المعاصرة أعظم بين من عرفوه منها بين أولئك الذين