تزداد تدريجاً ثروتها ومالها-وبخاصة العملة الورقية-وترتفع أسعار الحاجيات وأجور العمال باستمرار .. وكلما أصبح العمل غالي التكلفة في أمة غنية فإنها لابد تستورد من الأمم الأخرى أكثر مما تصدر إليها. وإذا ظلت كل العوامل الأخرى على حالها … فإن أموال الأمة الغنية سوف تنتقل أو تتسرب دون أن يشعر بها أحد إلى الأمة الأفقر التي ستدمر نفسها بدورها وبنفس الطريقة إذا أصبحت غنية (٥٣).
وهل ثمة مهرب من تركيز الثروة أو التزاحم على المال؟ "يجدر بالإنسان أن يضاعف عدد الملاك عن طريق توزيع جديد للأرض .. فإذا زادت أرض أحد الناس عن قدر معين من الأفدنة فيجب أن تفرض عليها ضرائب تفوق قيمة إيجارها. ومثل إعادة توزيع الأرض هذه قد تكون مستحيلة تقريباً في اقتصاد يقوم على المال، ولكن إذا أمكن تداركها بحكمة فمن المستطاع تنفيذها بتغيرات دائمة غير محسوسة (٥٤).
فلنعمد إلى إنقاص ثروة الناس وزيادة آخرين ونهيئ للفقراء حالة من اليسر والرخاء حتى يتمكنوا بسبع أو ثمان ساعات من العمل في اليوم أن يوفروا لأنفسهم ولذويهم وسائل العيش ويسدوا حاجتهم، ومن ثم يصبح الشعب سعيداً بقدر ما تسمح به الطبيعة البشرية (٥٥).
جـ - تأثير هلفشيوس
وهنا في كتابين لرجل واحد نجد كل الأفكار التي صنعت الثروة الفرنسية وكل الأفكار التي تعتلج في صدور الأمم وتحركها اليوم. فلا عجب أن وضعت الفئات الفرنسية المتعلمة المثقفة في الربع الثالث من القرن الثامن عشر هلفشيوس في منزلة سواء تقريباً مع فولتير وروسو وديدرو، ورحبت بكتابه الأول وهللت له مما كاد لا يحظى به كتاب غيره في ذاك العصر. وقال برونيتييز "إن أي كتاب غيره لم يحث مثل هذه الضجة في زمانه، ولم ينشر في الخارج أفكاراً أكثر أخذت تشق طريقها إلى العالم بأسره (٥٦).