للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثقة منه بهم، وهم أنفسهم مخطئون، أو أن لهم مصلحة في تظليله وخداعه. ولإزالة هذه الغشاوة وإخراجه من هذه المتاهة فإن الأمر يتطلب يداً حانية وحباً شديداً … كما يقتضي أعظم الشجاعة التي لا يعتريها خوف ولا وجل وتصميماً أكيداً لا يكل ولا يمل .... ومن ثم يكون أهم واجب علينا أن نفتش عن الوسائل التي نقضي بها على الأوهام التي تظللنا وتخدعنا. وينبغي أن نفتش عن العلاج لهذه المساوئ في الطبيعة نفسها. ففي وفرة مواردها وحدها يمكن أن نتوقع في تعقل وجود الترياق الشافي من كل الشرور التي جلبتها علينا حماستنا الطاغية الموجهة أسوأ توجيه. لقد حان الوقت للبحث عن هذا العلاج ومواجهة هذه المساوئ بشجاعة وفحص أسسها وتدقيق النظر في مقوماتها. أن العقل بخبرته الهادئة المخلصة ينبغي أن يقتلع من الجذور هذه الأهواء التي كان الجنس البشري هو الفريسة الوحيدة لها لأمد طويل. ولنحاول أن نغرس في الإنسان الشجاعة واحترام عقله مع حب لا يفتر للحقيقة، بهدف أن يلتمس المشورة والرأي من خبرته، فلا يعود العوبة لخيال توجهه السلطات توجيهاً مظللاً. ويتعلم أن يبني أخلاقياته على الطبيعة وعلى حاجياته وعلى المنفعة الحقيقية للمجتمع، ويتجرأ على أن يحب ذاته، ويصبح كاهناً فاضلاً عقلانياً. وفي هذه الحالة لابد أن يكون سعيداً (١٠٦).

وبعد أن انتهى دي هولباخ من بيان برنامجه على هذه النحو تقدم في ترتيب ونظام ليفند كل الكائنات والاعتبارات والأفكار الخارقة للطبيعة. ويحبذ الطبيعة بكل ما فيها من جمال وقسوة وتقييد وإمكانات، وليختزل كل الحقيقة والواقع إلى مادة وحركة، ويبني على هذا الأساس المادي منهجاً للفضيلة والأخلاق يأمل أن يكون في مقدوره أن يحول المتوحشين إلى مواطنين، ويشكل الخلق الفردي والنظام الاجتماعي ويضفي سعادة معقولة على حياة مقرر لها الموت المحتوم.

إنه يبدأ ويختتم بالطبيعة، ولكنه ينكر أية محاولات لتشخيصها أو تجسيدها.