إنه يحددها ويعرفها بأنها الكل الأعظم الذي ينتج من اجتماع المادة في مجموعاتها المختلفة. وهذا هو الاسم المحبب لدى دي هولباخ للكون، فهو يعرف المادة في حرص وحذر بأنها بصفة عامة، كل ما يؤثر على حواسنا بأي شكل كان "كل شيء في الكون في حركة دائبة. وجوهر المادة هو أن تعمل، وإذا تأملناها في يقظة تامة لاكتشفنا أنه ليس ثمة جزء صغير فيها ينعم بسكون مطلق، وكل ما يبدو لنا أنه ساكن لا يبقى ولو للحظة واحدة على نفس الحالة، وكل الكائنات تتناسل وتتكاثر وتتناقص وتتفرق باستمرار … إن أشد الصخور صلابة تتصدع بدرجات متفاوتة أمام لمسات الهواء (١٠٧) ".
إن هذا الكل لا يقدم لمجال تأملنا وتفكيرنا "إلا مجرد تعاقب ضخم متصل غير متقطع لأسباب ونتائج"(١٠٨). وكلما ازدادت معرفتنا وجدنا أبلغ دليل على أن الكون يعمل من خلال الأسباب الطبيعية وحدها. وقد يكون من العسير أن ندرك كيف "أن المادة الجامدة يمكن أن تكون فيها حياة" ولكن يكون من الأصعب أن تصدق أن الحياة خلق أو نتاج خاص لوجود خفي خارج عن الكون المادي. ومن العسير معرفة كيف يمكن أن تحس المادة أو تشعر ولكن سائر خواص المادة مثل "الجاذبية والمغناطيسية والمرونة والكهربية، ليست، أقل صعوبة في إدراكها وفهمها من الشعور أو الإحساس"(١٠٩).
والإنسان كذلك "كائن مادي صرف خاضع لنفس القوانين التي تحكم سائر العالم. وكيف يتسنى لجسم مادي وذهن غير مادي أن يتفاعل كل منهما مع الآخر؟ أن "الروح" هي مجرد تنظيم الجسم ونشاطه ولا يمكن أن يكون له وجود مستقل. أن القول بأن الروح ستحس وتفكر وتنعم وتعاني بعد فناء الجسم مثل الزعم بأن الساعة التي تتهشم إلى ألف قطعة تستمر في دقاتها ساعة بعد ساعة! … وتبين مرور الوقت (١١٠). إن مفهوم الذهن والجسم على أنهما وجودان غير ماديين عوق معالجتنا للأمراض