كيف يتفق هذا الصراع الكوني الشامل وهذا الموت المذل المؤلم مع الإيمان بإله خير طيب؟ إن الله موجود، ولكنه لغز محير. إنه يبعث بابنه ليخلص الجنس البشري، ولكن الأرض والإنسان بقيا على ماهما عليه على الرغم من تضحيته.
ماذا يمكن أن يقول أوسع العقول مدى في هذا؟ لا شيء فإن كتاب القدر محجوب عن أبصارنا. فالإنسان وهو الغريب الأجنبي بالنسبة لنفسه، مجهول لدي الإنسان. من أنا؟ وأين أكون؟ إلى أين أنا ذاهب؟ ومن أين أتيت؟ إن الذرات تتعذب على هذه الكومة من الطين، ويحصدها الموت ويلعب بها القدر. ومع ذلك فإنها الذرات المفكرة التي قاست اعينها ورصدت ما في السماوات بهدي من الفكر. إننا خترق بأذهاننا وعقولنا هذا الكون اللاهائي، ولكننا لا نستطيع للحظة واحدة أن نرى أونعرف أنفسنا".
وتلك بطبيعة الحال هي النغمة التي ضرب عليها بسكال قبل مائة عام في نثر أروع من شعر فولتير. وكان فولتير قد نبذ يوماً بسكال واستهجنه، ولكنه الآن يردد تشاؤمه. وعلى أساس هذا التشاؤم نفسه خلص بسكال إلى قوله: فلنركن إلى العقيدة المسيحية ونتعلق بالأمل. وختم فولتير قصيدته في الأصل بيتين كئيبين رواقيين: "اذا يجب علينا أن نفعل أيها الفانون؟ يجب علينا أن نقاسي ونخضع في صمت ونعبد ونموت". واحتج أصدقاؤه بأن هذه الخاتمة البائسة غير محتملة فغير السطر الأخير إلى أخضعوا واعبدوا وأملوا وموتوا ولم يشعر أحد بالرضا فاستسلم وأضاف ٢٩ بيتاً، وأسلم نفسه للعنياية الإلهية ؤمناً بأن "الله وحده على حق".
وعلى الرغم من ذلك فإن القصيدة لم تذهل المتدينين فقط، بل أذهلت الفلاسفة كذلك. فإن مثل هذه النغمة الكئيبة الجوعة يبدو أنها أحرجت الفلاسفة وأرسل روسو إلى فولتير رسالة ويلة بليغة يوضح فيها إن كل ما تعاني الإنسانية من علل وشرور، إن هو إلا نتيجة لأخطاء البشر، وأن زلزال لشبونة هو عقاب عادل للإنسان لتخليه عن الحياة الطبيعية