وانتشرت حروف الطباعة المفردة المنتقلة من كوريا إلى اليابان ثم عادت بعدئذ إلى الصين، ولكن يظهر أنها لم تعد إليها إلا بعد اختراع جوتنبرج Gutenberg الضئيل في أوربا. واستمر الكوريين يستخدمون حروف الطباعة المنتقلة قرنين كاملين ثم عفا عليها الزمان. أما في الصين فإن هذه الحروف لم تكن تستخدم إلا في أوقات متفرقة، حتى نقل التجار والمبشرين أساليب الطباعة الغربية إلى بلاد الشرق، كمن يعيد هدية قديمة إلى مهديها. وظل الصينيون من أيام فنج دو إلى أيام لي هونج - جانج مستمسكين بطريق الطباعة على القوالب لأنهم كانوا يرونها أكثر الطرق ملاءمة للغتهم. واستطاعت المطابع الصينية رغم هذا القصور أن تغمر الشعب بما لا يحصى من الكتب، فأصدرت فيما بين عامي ٩٩٤، ١٠٦٣ م مئات من المجلدات في تواريخ الأسر الحاكمة، كما أتمت في عام ٩٧٢ إصدار قوانين الشريعة البوذية في خمسة آلاف مجلد (١٦). ذلك أن الكتاب وجدوا في يدهم سلاحا لم بكن لهم به عهد من قبل، وكثير عدد من يقرأ كتبهم فلم يعد مقصوراً على أعيان البلاد، بل شمل الأعيان والطبقة الوسطى على السواء وشمل كذلك بعض أفراد الطبقة الدنيا نفسها. واصطبغ الأدب بصبغة أكثر ديمقراطية وأكثر تباينا مما كان عليه من قبل. وجملة القول أن فن الطباعة بالقوالب كان من أسباب النهضة العلمية في عهد أسرة سونج.
وكان من نتائج هذا الاختراع المجيد أن غمر البلاد فيض من الأدب لم يكن له مثيل من قبل، وأن عمت البلاد نهضة في الآداب الإنسانية شملت كل ما شملته النهضة في إيطاليا وسبقتها بمائتي عام كاملة. وطبعت من الآثار الأدبية القديمة نحو مائة طبعة، كما طبعت لها شروح وتعليقات تبلغ الألف عدّا. وأجاد المؤرخون العلماء دراسة الحياة الصينية في الأيام الخالية، ووضعوها بين أيدي ملايين القراء مطبوعة بحروف الطباعة الجديدة العجيبة. ونشرت مجموعات كبيرة من الأعمال الأدبية، ووضعت معاجم لغوية واسعة وألفت موسوعات ضخمة