كذلك كانت حروف الطباعة المنفصلة المنتقلة من اختراع الصينيين، ولكن عدم وجود حروف هجائية محددة محصورة من جهة، ووجود نحو ٠٠٠ ر ٤٠ من العلامات في اللغة الصينية المكتوبة من جهة أخرى، جعلا استعمال هذا الاختراع ترفاً يتعذر الانتفاع به في بلاد الشرق الأقصى. وقد صنع بى شنج حروف الطباعة المنفصلة المنتقلة من الخزف في عام ١٠٤١ م، ولكن هذا الاختراع لم ينتفع به إلا قليلا. وفي عام ١٤٠٣ صنع أهل كوريا أول ما عرف في التاريخ من حروف الطباعة المعدنية؛ وكانت طريقة صنعها أن تحفر الحروف أولا على الخشب الصلب، ثم تصنع لهذه النماذج قوالب من عجين الخزف تجفف في الأفران، ثم تصب فيها الحروف المعدنية بعدئذ. وسرعان ما استخدم تاي دزونج أعظم أباطرة كوريا هذا الاختراع لتستعين به الحكومة في أعمالها، وللاحتفاظ بالضارة القائمة. ومن أقوال هذا المليك المستنير:"من شاء أن يحكم فعليه أن يكون ذا علم واسع بالقوانين وبالآداب القديمة؛ ذلك بأنه إذا عرف هذه القوانين والآداب استطاع أن يكون عادلا مستقيما في أعماله الخارجية وأمكنه أن يكون بينه وبين نفسه ذا خلق كريم؛ وبهذا ينتشر السلام والنظام في البلاد. وإذ كانت بلادنا الشرقية تقع وراء البحار، فإن الكتب التي تصلنا من بلاد الصين قليلة العدد، وكثيراً ما تكون الكتب المطبوعة على القوالب ناقصة.
"هذا إلى أنه يتعذر طبع كل ما لدينا من الكتب كاملة. ولهذا آمر أن تصنع الحروف من البرنز، وأن يطبع كل ما تستطيع يداي أن تصل إليه بلا استثناء حتى ينتقل ما تحتويه هذه الكتب إلى أحفادنا من بعدنا، وتلك نعمه من أجل النعم التي تعود على البلاد إلى أبد الدهر. على أن نفقات هذا العمل الجليل لن تفرض ضرائب على الشعب، بل سأتحملها أنا وأسرتي ومن يريد أن يساهم فيها من الوزراء" (١٥).